الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } * { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

قوله تعالى: { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَني بِمَالٍ } أي جاء الرسول سليمان بالهدية قال: { أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ }. قرأ حمزة ويعقوب والأعمش: بنون واحدة مشدّدة وياء ثابتة بعدها. الباقون بنونين وهو اختيار أبي عبيد لأنها في كل المصاحف بنونين. وقد روى إسحاق عن نافع أنه كان يقرأ: { أَتُمِدُّونِ } بنون واحدة مخففة بعدها ياء في اللفظ. قال ابن الأنباري: فهذه القراءة يجب فيها إثبات الياء عند الوقف، ليصح لها موافقة هجاء المصحف. والأصل في النون التشديد، فخفف التشديد من ذا الموضع كما خفف من: أشهد أنك عالم وأصله: أنك عالم. وعلى هذا المعنى بنى الذي قرأ:يُشَاقُّونِ فِيهِم } [النحل:26]،أَتُحَاجُّونِ فِي اللَّهِ } [الأنعام: 80]. وقد قالت العرب: الرجال يضربونِ ويقصدونِ، وأصله يضربونِّي ويقصدونِّي: لأنه إدغام يضربونني ويقصدونني قال الشاعر:
تَرْهبينِ والجِيدُ منِك لِلَيْلَى   والحَشَاء والبُغَامُ والعينَانِ
والأصل ترهبيني فخفف. ومعنى { أَتُمِدُّونَنِي } أتزيدونني مالاً إلى ما تشاهدونه من أموالي. قوله تعالى: { فَمَآ آتَانِي ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } أي فما أعطاني من الإسلام والملك والنبوّة خير مما أعطاكم، فلا أفرح بالمال. و«آتَانِ» وقعت في كل المصاحف بغير ياء. وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص: { آتَانِيَ اللَّهُ } بياء مفتوحة فإذا وقفوا حذفوا. وأما يعقوب فإنه يثبتها في الوقف ويحذف في الوصل لالتقاء الساكنين. الباقون بغير ياء في الحالين. { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } لأنكم أهل مفاخرة ومكاثرة في الدنيا. قوله تعالى: { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ } أي قال سليمان للمنذر بن عمرو أمير الوفد ارجع إليهم بهديتهم. { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } لام القسم والنون لها لازمة. قال النحاس: وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول: هي لام توكيد وكذا كان عنده أن اللامات كلها ثلاث لا غير لام توكيد، ولام أمر، ولام خفض وهذا قول الحذاق من النحويين لأنهم يردّون الشيء إلى أصله: وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية. ومعنى { لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } أي لا طاقة لهم عليها. { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ } أي من أرضهم { أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }. وقيل: { مِنْهَا } أي من قرية سبأ. وقد سبق ذكر القرية في قوله: { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا }. { أَذِلَّةً } قد سُلبوا ملكهم وعزّهم. { وَهُمْ صَاغِرُونَ } أي مهانون أذلاء من الصّغر وهو الذل إن لم يسلموا فرجع إليها رسولها فأخبرها فقالت: قد عرفت أنه ليس بملك ولا طاقة لنا بقتال نبيّ من أنبياء الله. ثم أمرت بعرشها فجعل في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض في آخر قصر من سبعة قصور وغلقت الأبواب، وجعلت الحرس عليه، وتوجهت إليه في اثني عشر ألف قَيْل من ملوك اليمن، تحت كل قَيْل مائة ألف. قال ابن عباس: وكان سليمان مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه فنظر ذات يوم رَهجاً قريباً منه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: بلقيس يا نبيّ الله.

السابقالتالي
2 3 4 5