الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِي ٱلنَّمْلِ } قال قتادة: ذكر لنا أنه واد بأرض الشام. وقال كعب: هو بالطائف. { قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ } قال الشعبي: كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها ولولا ذلك لما علمه. وقد مضى هذا ويأتي. وقرأ سليمان التيمي بمكة: «نَمُلَةٌ» و«النَّمُلُ» بفتح النون وضم الميم. وعنه أيضاً ضمهما جميعاً. وسميت النملة نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قرارها. قال كعب: مرّ سليمان عليه السلام بوادي السَّدير من أودية الطائف، فأتى على وادي النمل، فقامت نملة تمشي وهي عرجاء تتكاوس مثل الذئب في العظم فنادت: { يَأَيُّهَا النَّمْلُ } الآية. الزمخشري: سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال، وكانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس وقيل: كان اسمها طاخية. وقال السهيلي: ذكروا اسم النملة المكلِّمة لسليمان عليه السلام، وقالوا اسمها حرميا، ولا أدري كيف يتصوّر للنملة اسم عَلم والنمل لا يسمي بعضهم بعضاً، ولا الآدميون يمكنهم تسمية واحدة منهم باسم عَلَم، لأنه لا يتميز للآدميين بعضهم من بعض، ولا هم أيضاً واقعون تحت ملكة بني آدم كالخيل والكلاب ونحوها، فإن العلمية فيما كان كذلك موجودة عند العرب. فإن قلت: إن العلمية موجودة في الأجناس كثُعَالة وأسَامة وجَعَار وقَثَامِ في الضّبع ونحو هذا كثير فليس اسم النملة من هذا لأنهم زعموا أنه اسم عَلَم لنملة واحدة معينة من بين سائر النمل، وثعالة ونحوه لا يختص بواحد من الجنس، بل كل واحد رأيته من ذلك الجنس فهو ثُعالة، وكذلك أُسامة وابن آوى وابن عرس وما أشبه ذلك. فإن صح ما قالوه فله وجه، وهو أن تكون هذه النملة الناطقة قد سميت بهذا الاسم في التوراة أو في الزبور أو في بعض الصحف سماها الله تعالى بهذا الاسم، وعرفها به الأنبياء قبل سليمان أو بعضهم. وخصت بالتسمية لنطقها وإيمانها فهذا وجه. ومعنى قولنا بإيمانها أنها قالت للنمل: { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } فقولها: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } التفاتة مؤمن. أي من عدل سليمان وفضله وفضل جنوده لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألاّ يشعروا. وقد قيل: إن تبسم سليمان سرور بهذه الكلمة منها ولذلك أكد التبسم بقوله: { ضَاحِكاً } إذ قد يكون التبسم من غير ضحك ولا رضا، ألا تراهم يقولون تبسم تبسم الغضبان وتبسم تبسّم المستهزئين. وتبسم الضحك إنما هو عن سرور، ولا يُسرّ نبيّ بأمر دنيا وإنما سُرّ بما كان من أمر الآخرة والدّين. وقولها: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } إشارة إلى الدِّين والعدل والرأفة. ونظير قول النملة في جند سليمان: { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } قول الله تعالى في جند محمد صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3 4 5 6