الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } أي فهما قاله قتادة. وقيل: علماً بالدين والحكم وغيرهما كما قال:وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ } [الأنبياء: 80]. وقيل: صنعة الكيمياء. وهو شاذ. وإنما الذي آتاهما الله النبوّة والخلافة في الأرض والزبور. { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وفي الآية دليل على شرف العلم وإنافة محلّه وتقدّم حملته وأهله، وأن نعمة العلم من أجلّ النِّعم وأجزل القِسَم، وأن من أوتيه فقد أوتي فضلاً على كثير من عباد الله المؤمنين.يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11]. وقد تقدّم هذا في غير موضع. قوله تعالى: { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } قال الكلبي: كان لداود صلى الله عليه وسلم تسعة عشر ولداً فورث سليمان من بينهم نبوّته وملكه، ولو كان وراثة مال لكان جميع أولاده فيه سواء وقاله ابن العربي قال: فلو كانت وراثة مال لانقسمت على العدد فخص الله سليمان بما كان لداود من الحكمة والنبوّة، وزاده من فضله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده. قال ابن عطية: داود من بني إسرائيل وكان ملكاً وورث سليمان ملكه ومنزلته من النبوّة، بمعنى صار إليه ذلك بعد موت أبيه فسمي ميراثاً تجوزاً وهذا نحو قوله: «العلماء ورثة الأنبياء» ويحتمل قوله عليه السلام: " إنا معشر الأنبياء لا نورث " أن يريد أن ذلك من فعل الأنبياء وسيرتهم، وإن كان فيهم من ورث ماله كزكرياء على أشهر الأقوال فيه وهذا كما تقول: إنا معشر المسلمين إنما شغلتنا العبادة، والمراد أن ذلك فعل الأكثر. ومنه ما حكى سيبويه: إنا معشر العرب أقرى الناس للضيف. قلت: قد تقدّم هذا المعنى في «مريم» وأن الصحيح القول الأوّل لقوله عليه السلام: «إنا معشر الأنبياء لا نورث» فهو عام ولا يخرج منه شيء إلا بدليل. قال مقاتل: كان سليمان أعظم ملكاً من داود وأقضى منه، وكان داود أشد تعبداً من سليمان. قال غيره: ولم يبلغ أحد من الأنبياء ما بلغ ملكه فإن الله سبحانه وتعالى سخّر له الإنس والجن والطير والوحش، وآتاه ما لم يؤت أحداً من العالمين، وورث أباه في الملك والنبوّة، وقام بعده بشريعته، وكل نبي جاء بعد موسى ممن بعث أو لم يبعث فإنما كان بشريعة موسى، إلى أن بعث المسيح عليه السلام فنسخها. وبينه وبين الهجرة نحو من ألف وثمانمائة سنة. واليهود تقول ألف وثلاثمائة واثنتان وستون سنة. وقيل: إن بين موته وبين مولد النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من ألف وسبعمائة، واليهود تنقص منها ثلاثمائة سنة، وعاش نيفاً وخمسين سنة.

السابقالتالي
2 3