الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } * { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ } * { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } * { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } * { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } * { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } * { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } * { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } أي قربت وأدنيت ليدخلوها. وقال الزجاج: قرب دخولهم إياها. { وَبُرِّزَتِ } أي أظهرت { ٱلْجَحِيمُ } يعني جهنم. { لِلْغَاوِينَ } أي الكافرين الذين ضلوا عن الهدى. أي تظهر جهنم لأهلها قبل أن يدخلوها حتى يستشعروا الروع والحزن، كما يستشعر أهل الجنة الفرح لعلمهم أنهم يدخلون الجنة. { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأصنام والأنداد { هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } من عذاب الله { أَوْ يَنتَصِرُونَ } لأنفسهم. وهذا كله توبيخ. { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا } أي قلبوا على رؤوسهم. وقيل: دهوروا وألقي بعضهم على بعض. وقيل: جمعوا. مأخوذ من الكَبْكَبَة وهي الجماعة قاله الهرويّ. وقال النحاس: هو مشتق من كَوْكَبِ الشيءِ أي معظمه. والجماعة من الخيل كَوْكَبٌ وكَبْكَبة. وقال ابن عباس: جمعوا فطرحوا في النار. وقال مجاهد: دهوروا. وقال مقاتل: قذفوا. والمعنى واحد. تقول: دهورت الشيء إذا جمعته ثم قذفته في مَهْوَاة. يقال: هو يدهور اللقم إذا كبرها. ويقال: في الدعاء كَبَّ الله عدوّ المسلمين ولا يقال أكبه. وكبكبه، أي كبه وقلبه. ومنه قوله تعالى: { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا } والأصل كُبِّبوا فأبدل من الباء الوسطى كاف استثقالاً لاجتماع الباءات. قال السدي: الضمير في { كُبْكِبُوا } لمشركي العرب { وَٱلْغَاوُونَ } الآلهة. { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ } من كان من ذريته. وقيل: كل من دعاه إلى عبادة الأصنام فاتبعه. وقال قتادة والكلبي ومقاتل: { الْغَاوُونَ } هم الشياطين وقيل: إنما تلقى الأصنام في النار وهي حديد ونحاس ليعذب بها غيرهم. { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } يعني الإنس والشياطين والغاوين والمعبودين اختصموا حينئذٍ. { تَٱللَّهِ } حلفوا بالله { إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي في خسار وتبار وحيرة عن الحق بينة إذا اتخذنا مع الله آلهة فعبدناها كما يعبد وهذا معنى قوله: { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي في العبادة وأنتم لا تستطيعون الآن نصرنا ولا نصر أنفسكم. { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } يعني الشياطين الذين زينوا لنا عبادة الأصنام. وقيل: أسلافنا الذين قلدناهم. قال أبو العالية وعكرمة: { الْمُجْرِمُونَ } إبليس وابن آدم القاتل هما أوّل من سنّ الكفر والقتل وأنواع المعاصي. { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } أي شفعاء يشفعون لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين. { وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } أي صديق مشفق وكان عليّ رضي الله عنه يقول: عليكم بالإخوان فإنهم عدّة الدنيا وعدّة الآخرة ألا تسمع إلى قول أهل النار: { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ }. الزمخشري: وجمع الشافع لكثرة الشافعين ووحد الصديق لقلته ألا ترى أن الرجل إذا امتحن بإرهاق ظالم مضت جماعة وافرة من أهل بلده لشفاعته رحمة له وحسبة وإن لم تسبق له بأكثرهم معرفة وأما الصديق فهو الصادق في ودادك الذي يهمه ما يهمك فأعز من بيض الأُنُوق وعن بعض الحكماء أنه سئل عن الصديق فقال: اسم لا معنى له.

السابقالتالي
2