الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } * { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } * { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } * { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } * { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } * { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

الثاني: إن سحابة أظلتهم وظُلْمة فقالوا: نحن بعد في الليل فما تقشعت عنهم حتى أصبحوا. وقال أبو عبيدة: معنى { فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ } ناحية المشرق. وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون: { فَاتَّبَعُوهُمْ مُشَرّقِينَ } بالتشديد وألف الوصل أي نحو المشرق مأخوذ من قولهم: شرّق وغرّب إذا سار نحو المشرق والمغرب. ومعنى الكلام قدرنا أن يرثها بنو إسرائيل فاتبع قوم فرعون بني إسرائيل مشرّقين فهلكوا، وورث بنو إسرائيل بلادهم. قوله تعالى: { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ } أي تقابلا الجمعان بحيث يرى كل فريق صاحبه، وهو تفاعل من الرؤية. { قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } أي قرب منا العدوّ ولا طاقة لنا به. وقراءة الجماعة { لَمُدْرَكُونَ } بالتخفيف من أدرك. ومنهحَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } [يونس: 90]. وقرأ عبيد بن عمير والأعرج والزهري { لَمُدَّرِكُونَ } بتشديد الدال من ادّرك. قال الفراء: حفر واحتفر بمعنى واحد، وكذلك { لَمُدْرَكُونَ } و { لَمُدَّرَكُونَ } بمعنى واحد. النحاس: وليس كذلك يقول النحويون الحذّاق إنما يقولون: مُدْرَكون ملحقون، ومدّركون مجتهد في لحاقهم، كما يقال: كسبت بمعنى أصبت وظفرت، واكتسبت بمعنى اجتهدت وطلبت وهذا معنى قول سيبويه. قوله تعالى: { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } لما لحق فرعون بجمعه جمعَ موسى وقرب منهم، ورأت بنو إسرائيل العدوّ القويّ والبحر أمامهم ساءت ظنونهم، وقالوا لموسى على جهة التوبيخ والجفاء: { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } فردّ عليهم قولهم وزَجَرهم وذكَّرهم وعد الله سبحانه له بالهداية والظفر { كَلاَّ } أي لم يدركوكم { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي } أي بالنصر على العدوّ. { سَيَهْدِينِ } أي سيدلّني على طريق النجاة فلما عظم البلاء على بني إسرائيل، ورأوا من الجيوش ما لا طاقة لهم بها، أمر الله تعالى موسى أن يضرب البحر بعصاه وذلك أنه عز وجل أراد أن تكون الآية متصلة بموسى ومتعلقة بفعل يفعله وإلا فضرب العصا ليس بفارق للبحر، ولا معين على ذلك بذاته إلا بما اقترن به من قدرة الله تعالى واختراعه. وقد مضى في «البقرة» قصة هذا البحر. ولما انفلق صار فيه اثنا عشر طريقاً على عدد أسباط بني إسرائيل، ووقف الماء بينها كالطود العظيم، أي الجبل العظيم. والطود الجبل ومنه قول امرىء القيس:
فبينا المرءُ في الأحياءِ طَوْدٌ   رَماهُ الناسُ عن كَثَبٍ فَمَالاَ
وقال الأسود بن يَعْفُر:
حَلُّوا بأنْقرةٍ يَسيلُ عليهمُ   ماءُ الفُراتِ يجيءُ من أَطْوَادِ
جمع طود أي جبل. فصار لموسى وأصحابه طريقاً في البحر يَبَساً فلما خرج أصحاب موسى وتكامل آخر أصحاب فرعون على ما تقدّم في «يونس» انصب عليهم وغرق فرعونُ فقال بعض أصحاب موسى: ما غرق فرعونُ فنبذ على ساحل البحر حتى نظروا إليه. وروى ابن القاسم عن مالك قال: خرج مع موسى عليه السلام رجلان من التجار إلى البحر فلما أتوا إليه قالا له بم أمرك الله؟ قال: أمرت أن أضرب البحر بعصاي هذه فينفلق فقالا له:افعل ما أمرك الله فلن يخلفك ثم ألقيا أنفسهما في البحر تصديقاً له فما زال كذلك البحر حتى دخل فرعون ومن معه، ثم ارتد كما كان.

PreviousNext
1 2 3 4 6