الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } * { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } * { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } * { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } * { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } * { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ } لما كان من سنته تعالى في عباده إنجاء المؤمنين المصدقين من أوليائه، المعترفين برسالة رسله وأنبيائه، وإهلاك الكافرين المكذبين لهم من أعدائه، أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً وسماهم عباده لأنهم آمنوا بموسى. ومعنى: { إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ } أي يتبعكم فرعون وقومه ليردوكم. وفي ضمن هذا الكلام تعريفهم أن الله ينجيهم منهم فخرج موسى عليه السلام ببني إسرائيل سَحَراً، فترك الطريق إلى الشام على يساره وتوجه نحو البحر، فكان الرجل من بني إسرائيل يقول له في ترك الطريق فيقول: هكذا أمرت. فلما أصبح فرعون وعلم بسُرَى موسى ببني إسرائيل، خرج في أثرهم، وبعث إلى مدائن مصر لتلحقه العساكر، فروي أنه لحقه ومعه مائة ألف أدهم من الخيل سوى سائر الألوان. وروي أن بني إسرائيل كانوا ستمائة ألف وسبعين ألفاً. والله أعلم بصحته. وإنما اللازم من الآية الذي يُقطع به أن موسى عليه السلام خرج بجمع عظيم من بني إسرائيل وأن فرعون تبعه بأضعاف ذلك. قال ابن عباس: كان مع فرعون ألف جبار كلهم عليه تاج وكلهم أمير خيل. والشِّرذمة الجمع القليل المحتقر والجمع الشَّراذم. قال الجوهري: الشِّرذمة الطائفة من الناس والقطعة من الشيء. وثوب شراذم أي قطع. وأنشد الثعلبي قول الراجز:
جاء الشتاءُ وثِيَابي أَخْلاقْ   شَراذِمٌ يَضحكُ منها النَّوَّاقْ
النَّوَّاقْ من الرجال الذي يروض الأمور ويصلحها قاله في الصحاح. واللام في قوله: { لَشِرْذِمَةٌ } لام توكيد وكثيراً ما تدخل في خبر إن، إلا أن الكوفيين لا يجيزون إن زيداً لسوف يقوم. والدليل على أنه جائز قوله تعالى:فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [الشعراء: 49] وهذه لام التوكيد بعينها وقد دخلت على سوف قاله النحاس. { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } أي أعداء لنا لمخالفتهم ديننا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها على ما تقدم. وماتت أبكارهم تلك الليلة. وقد مضى هذا في «الأعراف» و«طه» مستوفى. يقال: غاظني كذا وأغاظني. والغيظ الغضب ومنه التغيظ والاغتياظ. أي غاظونا بخروجهم من غير إذن. { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ } أي مجتمع أخذنا حِذرنا وأسلحتنا. وقرىء { حَاذِرُونَ } ومعناه معنى { حَذِرُونَ } أي فرقون خائفون. قال الجوهري: وقرىء { وَإِنَّا لجمِيعٌ حَاذِرُون } و { حَذِرُونَ } و { حَذُرونَ } بضم الذال حكاه الأخفش ومعنى { حَاذِرُونَ } متأهبون، ومعنى: { حَذِرُونَ } خائفون. قال النحاس: { حَذِرُونَ } قراءة المدنيين وأبي عمرو، وقراءة أهل الكوفة { حَاذِرُونَ } وهي معروفة عن عبد الله بن مسعود وابن عباس و { حَادِرُونَ } بالدال غير المعجمة قراءة أبي عبّاد وحكاها المهدوي عن ابن أبي عمار، والماوردي والثعلبي عن سُمَيْط بن عجلان. قال النحاس: أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى { حَذِرُونَ } { وحَاذِرُونَ } واحد. وهو قول سيبويه وأجاز: هو حذِرٌ زيدا كما يقال: حاذر زيدا، وأنشد:

السابقالتالي
2 3 4 5 6