الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } * { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }

قوله تعالى: { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } قال أبو عبيدة: رسول بمعنى رسالة والتقدير على هذا إنا ذوو رسالة رب العالمين. قال الهذليّ:
أَلِكْنِي إليها وخَيرُ الرَّسُو   لِ أَعْلَمُهُمْ بنَوَاحِي الخَبَرَ
ألكني إليها معناه أرسلني. وقال آخر:
لقد كَذَبَ الواشون ما بُحْتُ عندهمْ   بِسِرٍّ ولا أَرسلتُهمْ برسولِ
آخر:
أَلاَ أَبْلغْ بني عمرو رسولاً   بأنّي عن فُتَاحَتِكُمْ غنيُّ
وقال العباس بن مرادس:
أَلاَ مَن مُبلِغٌ عنّي خُفَافَا   رسولاً بيتُ أهلِك مُنْتَهَاها
يعني رسالة فلذلك أنَّثها. قال أبو عبيد: ويجوز أن يكون الرسول في معنى الاثنين والجمع فتقول العرب: هذا رسولي ووكيلي، وهذان رسولي ووكيلي، وهؤلاء رسولي ووكيلي. ومنه قوله تعالى:فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } [الشعراء: 77]. وقيل: معناه إن كل واحد منا رسول رب العالمين. { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي أطلقهم وخلّ سبيلهم حتى يسيروا معنا إلى فلسطين ولا تستعبدهم وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفاً. فانطلقا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البوّاب على فرعون فقال: هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين. فقال فرعون: ايذن له لعلنا نضحك منه فدخلا عليه وأديا الرسالة. وروى وهب وغيره: أنهما لما دخلا على فرعون وجداه وقد أخرج سباعاً من أسد ونمور وفهودٍ يتفرج عليها، فخاف سواسها أن تبطش بموسى وهارون، فأسرعوا إليها، وأسرعت السباع إلى موسى وهارون، فأقبلت تلحس أقدامهما، وتبصبص إليهما بأذنابها، وتلصق خدودها بفخذيهما، فعجب فرعون من ذلك فقال: ما أنتما؟ قالا: { إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فعرف موسى لأنه نشأ في بيته فـ { ـقَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } على جهة المنّ عليه والاحتقار. أي ربيناك صغيراً ولم نقتلك من جملة من قتلنا { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } فمتى كان هذا الذي تدعيه. ثم قرره بقتل القبطي بقوله: { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } والفَعْلة بفتح الفاء المرة من الفعل. وقرأ الشعبي: { فِعلتك } بكسر الفاء والفتح أولى لأنها المرة الواحدة، والكسر بمعنى الهيئة والحال، أي فعلتك التي تعرف فكيف تدعي مع علمنا أحوالك بأن الله أرسلك. وقال الشاعر:
كأنّ مِشيتَها من بيت جارتِها   مرُّ السحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
ويقال: كان ذلك أيام الرِّدة والرَّدة. { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } قال الضحاك: أي في قتلك القبطي إذ هو نفس لا يحل قتله. وقيل: أي بنعمتي التي كانت لنا عليك من التربية والإحسان إليك قاله ابن زيد. الحسن: { مِن الْكَافِرِينَ } في أني إلهك. السّدي: { مِن الْكَافِرِينَ } بالله لأنك كنت معنا على ديننا هذا الذي تعيبه. وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبيّاً أحد عشر عاماً غير أشهر. فـ { ـقَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً } أي فعلت تلك الفعلة يريد قتل القبطي { وَأَنَاْ } إذ ذاك { مِنَ ٱلضَّالِّينَ } أي من الجاهلين فنفى عن نفسه الكفر، وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل.

السابقالتالي
2