الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } * { قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } * { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } * { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَاقِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قوله تعالى: { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } قال «كذبت» والقوم مذكر لأن المعنى كذبت جماعة قوم نوح، وقال: { الْمُرْسَلينَ } لأن من كذب رسولاً فقد كذب الرسل لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل. وقيل: كذبوا نوحاً في النبوّة وفيما أخبرهم به من مجيء المرسلين بعده. وقيل: ذكر الجنس والمراد نوح عليه السلام. وقد مضى هذا في «الفرقان». { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ } أي ابن أبيهم وهي أخوة نسب لا أخوة دين. وقيل: هي أخوة المجانسة. قال الله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [إبراهيم: 4] وقد مضى هذا في «الأعراف». وقيل: هو من قول العرب يا أخا بني تميم. يريدون يا واحداً منهم. الزمخشري: ومنه بيت الحماسة:
لا يَسْألون أخاهم حِينَ يَنْدُبُهم   في النَّائباتِ على ما قال بُرْهَانَا
{ أَلاَ تَتَّقُونَ } أي ألا تتقون الله في عبادة الأصنام. { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي صادق فيما أبلغكم عن الله تعالى. وقيل: { أَمِينٌ } فيما بينكم فإنهم كانوا عرفوا أمانته وصدقه من قبل كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش. { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي فاستتروا بطاعة الله تعالى من عقابه. { وَأَطِيعُونِ } فيما آمركم به من الإيمان. { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي لا طمع لي في مالكم. { إِنْ أَجْرِيَ } أي ما جزائي { إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } كرر تأكيداً. قوله تعالى: { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ } أي نصدق قولك. { وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } الواو للحال وفيه إضمار قد، أي وقد اتبعك. { الأَرْذَلُونَ } جمع الأرذل، المكسر الأراذل والأثنى الرُّذْلَى والجمع الرُّذَّل. قال النحاس: ولا يجوز حذف الألف واللام في شيء من هذا عند أحد من النحويين علمناه. وقرأ ابن مسعود والضحاك ويعقوب الحضرمي وغيرهم، { وَأَتْبَاعُكَ الأَرْذَلُون }. النحاس: وهي قراءة حسنة وهذه الواو أكثرها تتبعها الأسماء والأفعال بقد. وأتباع جمع تبع وتبيع يكون للواحد والجمع. قال الشاعر:
له تَبَعٌ قد يعلمُ الناسُ أنّه   على من يُدانِي صَيِّف ورَبِيعُ
ارتفاع { أتْبَاعُكَ } يجوز أن يكون بالابتداء و { الأَرْذَلُونَ } الخبر التقدير أنؤمن لك وإنما أتباعك الأرذلون. ويجوز أن يكون معطوفاً على الضمير في قوله: { أَنُوْمِنُ لَكَ } والتقدير: أنؤمن لك نحن وأتباعك الأرذلون فنعدّ منهم وحسن ذلك الفصل بقوله: { لَكَ } وقد مضى القول في الأراذل في سورة «هود» مستوفًى. ونزيده هنا بياناً وهي المسألة: الثانية: فقيل: إن الذين آمنوا به بنوه ونساؤه وكناته وبنو بنيه. واختلف هل كان معهم غيرهم أم لا. وعلى أي الوجهين كان فالكل صالحون وقد قال نوح: { وَنَجِنّي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ المُوْمِنِينَ } والذين معه هم الذين اتبعوه، ولا يلحقهم من قول الكفرة شين ولا ذمّ، بل الأرذلون هم المكذبون لهم.

السابقالتالي
2