الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } * { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } { إِذْ } في موضع نصب المعنى: واتل عليهم { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } ويدلّ على هذا أنّ بعده. { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } ذكره النحاس. وقيل: المعنى واذكر إذ نادى كما صرح به في قوله:وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } [الأحقاف: 21] وقوله:وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ } [صۤ: 45] وقوله:وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مَرْيَمَ } [مريم: 16]. وقيل: المعنى { وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى } كان كذا وكذا. والنداء الدعاء بيا فلان، أي قال ربك يا موسى { أَنِ ٱئْتَ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ثم أخبر من هم فقال: { قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } فـ { ـقومَ } بدل ومعنى { أَلاَ يَتَّقُونَ } ألا يخافون عقاب الله؟ وقيل هذا من الإيماء إلى الشيء لأنه أمره أن يأتي القوم الظالمين، ودلّ قوله: { يَتَّقُونَ } على أنهم لا يتقون، وعلى أنه أمرهم بالتقوى. وقيل: المعنى قل لهم { أَلاَ تَتَّقُونَ } وجاء بالياء لأنهم غيب وقت الخطاب، ولو جاء بالتاء لجاز. ومثلهقُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } [آل عمران: 12] بالتاء والياء. وقد قرأ عبيد بن عمير وأبو حازم { أَلاَ تَتَّقُونَ } بتاءين أي قل لهم { أَلاَ تَتَّقُونَ }. { قَالَ رَبِّ } أي قال موسى { رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } أي في الرسالة والنبوة. { وَيَضِيقُ صَدْرِي } لتكذيبهم إياي. وقراءة العامة { وَيَضيقُ } { وَلاَ يَنْطَلِقُ } بالرفع على الاستئناف. وقرأ يعقوب وعيسى بن عمر وأبو حيوة { وَيَضِيقَ ـ وَلاَ يَنْطَلِقَ } بالنصب فيهما ردّاً على قوله: { أَنْ يُكَذِّبُونِ } قال الكسائي: القراءة بالرفع يعني في { يَضِيقُ صَدْرِي وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي } يعني نسقاً على { إِنِّي أَخَافُ }. قال الفراء: ويقرأ بالنصب. حكي ذلك عن الأعرج وطلحة وعيسى بن عمر وكلاهما له وجه. قال النحاس: الوجه الرفع لأن النصب عطف على { يُكَذِّبُونِ } وهذا بعيد يدلّ على ذلك قوله عز وجل:وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [طه: 27 ـ 28] فهذا يدلّ على أن هذه كذا. ومعنى، { وَلاَ يَنْطَلِقُ لِسَانِي } في المحاجة على ما أحب وكان في لسانه عُقْدة على ما تقدّم في «طه». { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } أرسل إليه جبريل بالوحي، واجعله رسولاً معي ليؤازرني ويظاهرني ويعاونني. ولم يذكر هنا ليعينني لأن المعنى كان معلوماً، وقد صرح به في سورة «طه»: { وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً } وفي القصص:أَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي } [القصص: 34] وكأن موسى أذن له في هذا السؤال، ولم يكن ذلك استعفاء من الرسالة بل طلب من يعينه. ففي هذا دليل على أن من لا يستقل بأمر، ويخاف من نفسه تقصيراً، أن يأخذ من يستعين به عليه، ولا يلحقه في ذلك لوم. { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } الذنب هنا قتل القبطي واسمه فاثور على ما يأتي في «القصص» بيانه، وقد مضى في «طه» ذكره.

السابقالتالي
2