الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً }

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِبَاساً } يعني ستراً للخلق يقوم مقام اللباس في ستر البدن. قال الطبري: وصف الليل باللباس تشبيهاً من حيث يستر الأشياء ويغشاها. الثانية: قال ابن العربيّ: ظن بعض الغُفْلَة أن من صلّى عرياناً في الظلام أنه يجزئه لأن الليل لباس. وهذا يوجب أن يصلّي في بيته عرياناً إذا أغلق عليه بابه. والستر في الصلاة عبادة تختص بها ليست لأجل نظر الناس. ولا حاجة إلى الإطناب في هذا. الثالثة: قوله تعالى: { وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً } أي راحة لأبدانكم بانقطاعكم عن الأشغال. وأصل السبات من التمدد. يقال: سبتت المرأة شعرها أي نقضته وأرسلته. ورجل مسبوت أي ممدود الخلقة. وقيل: للنوم سبات لأنه بالتمدد يكون، وفي التمدد معنى الراحة. وقيل: السبت القطع فالنوم انقطاع عن الاشتغال ومنه سَبَتَ اليهودُ لانقطاعهم عن الأعمال فيه. وقيل: السبت الإقامة في المكان فكأن السبات سكون مّا وثبوت عليه فالنوم سُبَاتٌ على معنى أنه سكون عن الاضطراب والحركة. وقال الخليل: السبات نوم ثقيل أي جعلنا نومكم ثقيلاً ليكمل الإجمام والراحة. الرابعة: قوله تعالى: { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } من الانتشار للمعاش أي النهار سبب الإحياء للانتشار. شبه اليقظة فيه بتطابق الإحياء مع الإماتة. وكان عليه السلام إذا أصبح قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور».