الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }

فيه تسع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } نزلت جواباً للمشركين حيث قالوا: { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ }. وقال ابن عباس: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة وقالوا: { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ } الآية حزن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فنزلت تعزية له فقال جبريل عليه السلام: السلام عليك يا رسول اللهٰ الله ربك يقرئك السلام ويقول لك: { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } أي يبتغون المعايش في الدنيا. الثانية: قوله تعالى: { إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } إذا دخلت اللام لم يكن في «إن» إلا الكسر، ولو لم تكن اللام ما جاز أيضا إلا الكسر لأنها مستأنفة. هذا قول جميع النحويين. قال النحاس: إلا أن عليّ بن سليمان حكى لنا عن محمد بن يزيد قال: يجوز في «إنّ» هذه الفتح وإن كان بعدها اللام وأحسبه وهْما منه. قال أبو إسحاق الزجاج: وفي الكلام حذف والمعنى وما أرسلنا قلبك رسلاً إلا إنهم ليأكلون الطعام، ثم حذف رسلاً، لأن في قوله: { مِن المرسلِينَ } ما يدل عليه. فالموصوف محذوف عند الزجاج. ولا يجوز عنده حذف الموصول وتبقية الصلة كما قال الفراء. قال الفراء: والمحذوف { مَن } والمعنى إلا مَنْ إنهم ليأكلون الطعام. وشبّهه بقوله:وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164]، وقوله:وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [مريم: 71] أي ما منكم إلا من هو واردها. وهذا قول الكسائيّ أيضاً. وتقول العرب: ما بعثت إليك من الناس إلا مَن إنه ليطيعك. فقولك: إنه ليطيعك صلة من. قال الزجاج: هذا خطأ لأن من موصولة فلا يجوز حذفها. وقال أهل المعاني: المعنى وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا قيل إنهم ليأكلون دليله قوله تعالى:مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ } [فصلت: 43]. وقال ابن الأنباريّ: كسرت { إِنَّهُمْ } بعد { إلا } للاستئناف بإضمار واو. أي إلا وإنهم. وذهبت فرقة إلى أن قوله: { لَيَاْكُلُونَ الطَعَاَمَ } كناية عن الحدث. قلت: وهذا بليغ في معناه، ومثلهمَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } [المائدة: 75]. { وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } قرأ الجمهور { يمْشُونَ } بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين. وقرأ عليّ وابن عوف وابن مسعود بضم الياء وفتح الميم وشد الشين المفتوحة، بمعنى يُدْعَون إلى المشي ويحملون عليه. وقرأ أبو عبد الرحمن السُّلمَيّ بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشدّدة، وهي بمعنى يَمْشُونَ قال الشاعر:
ومَشَّى بأعطان المَبَاءة وابتغى   قلائصَ منها صعبةٌ ورَكُوبُ
وقال كعب بن زهير:
منه تظل سِباعُ الجوِّ ضامِزةً   ولا تُمَشِّي بوادِيه الأَراجيلُ
بمعنى تمْشي.   

السابقالتالي
2 3 4 5