الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } * { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } * { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } * { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً }

قوله تعالى: { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } يريد يوم القيامة. { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } يريد جهنم تتلظى عليهم. { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } أي من مسيرة خمسمائة عام. { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } قيل: المعنى إذا رأتهم جهنم سمعوا لها صوت التغيظ عليهم. وقيل: المعنى إذا رأتهم خزّانها سمعوا لهم تغيظاً وزفيراً حرصاً على عذابهم. والأوّل أصح لما روي مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً " قيل: يا رسول الله! ولها عينان؟ قال: " أما سمعتم الله عز وجل يقول: { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } يخرج عُنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول وُكِّلت بكل من جعل مع الله إلهاً آخر فلهو أبصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه " في رواية " فيخرج عُنق من النار فيلتقط الكفار لقط الطائر حب السمسم " ذكره رَزِين في كتابه، وصححه ابن العربي في قبسه، وقال: أي تفصلهم عن الخلق في المعرفة كما يفصل الطائر حب السمسم من التربة. وخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. " يَخرج عُنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول إني وُكِّلت بثلاث بكل جبّار عنيد وبكلّ من دعا مع الله إلهاً آخر وبالمصوِّرين " وفي الباب عن أبي سعيد قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح. وقال الكلبي: سمعوا لها تغيظاً كتغيظ بني آدم وصوتاً كصوت الحمار. وقيل: فيه تقديم وتأخير، سمعوا لها زفيراً وعلموا لها تغيظاً. وقال قطرب: التغيظ لا يسمع، ولكن يرُى، والمعنى: رأوا لها تغيظاً وسمعوا لها زفيراً كقول الشاعر:
ورأيت زوجَكِ في الوَرى   مُتقلِّداً سيفاً ورُمحا
أي وحاملاً رمحاً. وقيل: { سَمِعُوا لَهَا } أي فيها أي سمعوا فيها تغيظاً وزفيراً للمعذَّبين. كما قال تعالى:لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [هود: 106] و«في واللام» يتقاربان تقول: أفعل هذا في الله ولله. قوله تعالى: { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ } قال قتادة: ذكر لنا أن عبد الله كان يقول: إن جهنم لتضيِّق على الكافر كتضييق الزُّج على الرمح ذكره ابن المبارك في رقائقه. وكذا قال ابن عباس، ذكره الثعلبي والقُشَيري عنه، وحكاه الماوردي عن عبد الله بن عمرو. ومعنى { مُقَرَّنِينَ } مكتَّفين قاله أبو صالح. وقيل: مصفَّدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال. وقيل: قرنوا مع الشياطين أي قرن كل واحد منهم إلى شيطانه قاله يحيـى بن سلام. وقد مضى هذا في { إبراهيم } وقال عمرو بن كلثوم:

السابقالتالي
2