الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { وَٱلْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ }

فيه ثلاثون مسألة: الأولى: قوله تعالى: { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } «أنفسُهم» بالرفع على البدل. ويجوز النصب على الاستثناء، وعلى خبر «يكن». { فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ } بالرفع قراءة الكوفيين على الابتداء والخبر أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حدّ القذف أربع شهادات. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو «أربعَ» بالنصب لأن معنى «فشهادةُ» أن يشهد والتقدير: فعليهم أن يشهد أحدهم أربعَ شهادات، أو فالأمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات ولا خلاف في الثاني أنه منصوب بالشهادة. { وَٱلْخَامِسَةُ } رفع بالابتداء. والخبر «أنّ» وصلتها ومعنى المخففة كمعنى المثقلة لأن معناها أنه. وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص «والخامِسةَ» بالنصب، بمعنى وتشهد الشهادة الخامسة. الباقون بالرفع على الابتداء، والخبر في «أنّ لعنَة اللَّهِ عليهِ» أي والشهادة الخامسة قوله: لعنة الله عليه. الثانية: في سبب نزولها، وهو ما رواه أبو داود عن ابن عباس " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بشَرِيك بن سَحْماء فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «البَيّنَة أو حدٌّ في ظهرك» قال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينة! فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «البينةَ وإلا حَدٌّ في ظهرك» فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولَيُنْزِلنّ الله في أمري ما يبرىء ظهري من الحدّ فنزلت { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ } فقرأ حتى بلغ «مِن الصادِقِين» " الحديث بكماله. وقيل: لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الأزواجَ وغيرَهم " قال سعد بن معاذ: يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة! والله لأضربنّه بالسيف غير مُصْفح عنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتعجبون من غَيْرة سعدٍ لأنا أغْيَرُ منه واللَّهُ أغْيَرُ مني» " وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة، هذا نحو معناها. ثم جاء من بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بِشَريك بن سَحْماء البَلَوِي على ما ذكرنا، وعزم النبيّ صلى الله عليه وسلم على ضربه حدّ القذف فنزلت هذه الآية عند ذلك، فجمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وتلاعنا، فتلكّأت المرأة عند الخامسة لمّا وُعِظت وقيل إنها موجِبة ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم فالْتَعَنَت، وفرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وولدت غلاماً كأنه جَمَلٌ أوْرَق ـ على النعت المكروه ـ ثم كان الغلام بعد ذلك أميراً بمصر، وهو لا يعرف لنفسه أباً. وجاء أيضاً عُوَيْمِر العَجْلانيّ فرمى امرأته ولاعن. والمشهور أن نازلة هلال كانت قبلُ، وأنها سبب الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد