الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

فيه إحدى عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على أقوال ثمانية. أقربها ـ هل هي منسوخة أو ناسخة أو مُحْكَمة فهذه ثلاثة أقوال: الأوّل: أنها منسوخة من قوله تعالى: { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } إلى آخر الآية قاله عبد الرحمن بن زيد، قال: هذا شيء قد انقطع، كانوا في أوّل الإسلام ليس على أبوابهم أغلاق، وكانت الستور مرخاة، فربما جاء الرجل فدخل البيت وهو جائع وليس فيه أحد فسوّغ الله عز وجل أن يأكل منه، ثم صارت الأغلاق على البيوت فلا يحلّ لأحد أن يفتحها، فذهب هذا وانقطع. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يَحْتَلِبَنّ أحدٌ ماشيةَ أحدٍ إلا بإذنه... " الحديث. خرّجه الأئمة. الثاني: أنها ناسخة قاله جماعة. روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لما أنزل الله عز وجل:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [النساء: 29] قال المسلمون: إن الله عز وجل قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، وأن الطعام من أفضل الأموال، فلا يحلّ لأحد منّا أن يأكل عند أحد، فكفّ الناس عن ذلك فأنزل الله عز وجل { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ } ـ إلى ـ { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ }. قال: هو الرجل يوكّل الرجل بضيعته. قلت: عليّ بن أبي طلحة هذا هو مولى بني هاشم سكن الشام، يُكْنَى أبا الحسن ويقال أبا محمد، واسم أبيه أبي طلحة سالمٌ، تُكلِّم في تفسيره فقيل: إنه لم ير ابن عباس، والله أعلم. الثالث: أنها محكمة قاله جماعة من أهل العلم ممن يُقْتَدى بقولهم منهم سعيد بن المسيِّب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود. وروى الزُّهْرِيّ عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان المسلمون يُوعِبُون في النَّفِير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضَمْناهم ويقولون: إن احتجتم فكُلُوا فكانوا يقولون إنما أحلُّوه لنا عن غير طِيب نَفْس فأنزل الله عز وجل: { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ } إلى آخر الآية. قال النحاس: «يُوعِبون» أي يخرجون بأجمعهم في المغازِي يقال: أوْعَب بنو فلان لبني فلان إذا جاؤوهم بأجمعهم. وقال ابن السكِّيت: يقال أوْعب بنو فلان جلاءً فلم يبق ببلدهم منهم أحد. وجاء الفرسُ برَكْضٍ وَعِيب أي بأقصى ما عنده. وفي الحديث: " في الأنف إذا استوعِب جَدْعُه الدِّيَةُ " إذا لم يترك منه شيء. واستيعاب الشيء استئصاله. ويقال: بَيْتٌ وَعِيبٌ إذا كان واسعاً يَسْتَوْعِب كلّ ما جُعل فيه. والضَّمْنَى هم الزَّمْنَى، واحدهم ضَمِن مثل زمِن.

السابقالتالي
2 3 4 5 6