الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ }

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ } القواعد واحدتها قاعد، بلا هاء ليدلّ حذفها على أنه قعود الكِبَر، كما قالوا: امرأة حامل ليدلّ بحذف الهاء أنه حمل حَبَل. قال الشاعر:
فلو أنّ ما في بطنه بين نِسوَةٍ   حَبِلْن وإن كنّ القواعدُ عُقرَا
وقالوا في غير ذلك: قاعدة في بيتها، وحاملة على ظهرها، بالهاء. والقواعد أيضاً: أساس البيت واحده قاعدة، بالهاء. الثانية: القواعد: العُجّز اللواتي قعدن عن التصرف من السنّ، وقعدن عن الولد والمحيض هذا قول أكثر العلماء. قال ربيعة: هي التي إذا رأيتها تستقذرها من كِبَرِها. وقال أبو عبيدة: اللاتي قعدن عن الولد وليس ذلك بمستقيم، لأن المرأة تقعد عن الولد وفيها مستمتَع قاله المهدوِيّ. الثالثة: قوله تعالى: { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ } إنما خص القواعد بذلك لانصراف الأنفس عنهن إذ لا مذهب للرجال فيهن، فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن، وأزيل عنهن كُلْفة التحفظ المتعب لهن. الرابعة: قرأ ابن مسعود وأبَيّ وابن عباس «أنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيابهن» بزيادة «من». قال ابن عباس: وهو الجِلْباب. وروي عن ابن مسعود أيضاً «من جلابيبهن». والعرب تقول: امرأة واضع، للتي كَبِرت فوضعت خِمارها. وقال قوم: الكبيرة التي أيِست من النكاح، لو بدا شعرها فلا بأس فعلى هذا لا يجوز لها وضع الخمار. والصحيح أنها كالشابة في التستّر إلا أن الكبيرة تضع الجلباب الذي يكون فوق الدِّرع والخِمار قاله ابن مسعود وابن جُبير وغيرهما. الخامسة: قوله تعالى: { غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ } أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة ليُنْظر إليهن فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعده عن الحق. والتبرّج: التكشّف والظهور للعيون ومنه: بروج مشيّدة. وبروج السماء والأسوار أي لا حائل دونها يسترها. وقيل لعائشة رضي الله عنها: يا أمّ المؤمنين، ما تقولين في الخِضاب والصِّباغ والتمائم والقُرْطين والخَلْخال وخاتم الذهب ورقاق الثياب؟ فقالت: يا معشر النساء، قصتكنّ قصةُ امرأة واحدة، أحلّ الله لكن الزينة غير متبرجات لمن لا يحل لكن أن يروْا منكن مُحَرَّماً. وقال عطاء: هذا في بيوتهن، فإذا خرجت فلا يحل لها وضع الجلباب. وعلى هذا «غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ» غير خارجات من بيوتهن. وعلى هذا يلزم أن يقال: إذا كانت في بيتها فلا بد لها من جلباب فوق الدِّرع، وهذا بعيد، إلا إذا دخل عليها أجنبي. ثم ذكر تعالى أن تحفّظ الجميع منهن، واستعفافَهنّ عن وضع الثياب والتزامَهنّ ما يلزم الشباب أفضل لهن وخير. وقرأ ابن مسعود «وأن يتعففن» بغير سين. ثم قيل: من التبرج أن تلبس المرأة ثوبين رقيقين يصفانها. روى الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2