الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَـٰبَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

فيه ثمان مسائل: الأولى: قال العلماء: هذه الآية خاصّة والتي قبلها عامّة لأنه قال: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } ثم خصّ هنا فقال: { لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فخصَّ في هذه الآية بعض المستأذنين، وكذلك أيضاً يتأول القول في الأولى في جميع الأوقات عموماً. وخص في هذه الآية بعض الأوقات، فلا يدخل فيها عبد ولا أَمَة. وَغْدا كان أو ذا منظر إلا بعد الاستئذان. قال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مَرْثَد، دخل عليها غلام لها كبير، فاشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه الآية. وقيل: سبب نزولها دخول مُدْلج على عمر وسيأتي. الثانية: اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: { لِيَسْتَأْذِنكُمُ } على ستة أقوال: الأول: أنها منسوخة، قاله ابن المسيّب وابن جبير. الثاني: أنها ندب غير واجبة قاله أبو قِلاَبة، قال: إنما أمروا بهذا نظراً لهم. الثالث: عنى بها النساء قاله أبو عبد الرحمن السُّلَميّ. وقال ابن عمر: هي في الرجال دون النساء. وهو القول الرابع. الخامس: كان ذلك واجباً، إذ كانوا لا غَلَق لهم ولا أبواب، ولو عاد الحال لعاد الوجوب حكاه المهدوِيّ عن ابن عباس. السادس: أنها محكمة واجبة ثابتة على الرجال والنساء وهو قول أكثر أهل العلم منهم القاسم وجابر بن زيد والشَّعْبِيّ. وأضعفها قول السُّلَمِيّ لأن «الذين» لا يكون للنساء في كلام العرب، إنما يكون للنساء «الّلاتي واللّواتِي». وقول ابن عمر يستحسنه أهل النظر، لأن «الذين» للرجال في كلام العرب، وإن كان يجوز أن يدخل معهم النساء فإنما يقع ذلك بدليل، والكلام على ظاهره، غير أن في إسناده ليْث بن أبي سليم. وأما قول ابن عباس فروى أبو داود عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول: آية لم يؤمر بها أكثر الناس آيةُ الاستئذان وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن عليّ. قال أبو داود: وكذلك رواه عطاء عن ابن عباس «يأمر به». وروى عكرمة أن نفراً من أهل العراق قالوا: يا ابن عباس، كيف ترى في هذه الآية التي أمرنا فيها بما أمرنا ولا يعمل بها أحد، قول الله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِّن قَبْلِ صَـلاَةِ ٱلْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِّنَ ٱلظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ ٱلْعِشَآءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ }. قال أبو داود: قرأ القَعْنَبِيّ إلى «عليمٌ حكيمٌ» قال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحبّ السّتر، وكان الناس ليس لبيوتهم سُتُور ولا حجال، فربما دخل الخادم أو الولد أو يتيمة الرجل والرجلُ على أهله، فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير، فلم أر أحداً يعمل بذلك بعد.

السابقالتالي
2 3 4