الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ } فيه تسع عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } الباء في «بيوت» تضم وتكسر وقد تقدّم. واختلف في الفاء من قوله «في» فقيل: هي متعلقة بـ«ـمصباح». وقيل: بـ«يسبح له» فعلى هذا التأويل يوقف على «عليم». قال ابن الأنباري: سمعت أبا العباس يقول هو حال للمصباح والزجاجة والكوكب كأنه قال وهي في بيوت. وقال الترمذي الحكيم محمد بن علي: «في بيوت» منفصل، كأنه يقول: الله في بيوت أذن الله أن تُرفع وبذلك جاءت الأخبار أنه «من جلس في المسجد فإنه يجالس ربّه». وكذا ما جاء في الخبر فيما يحكى عن التوراة «أن المؤمن إذا مشى إلى المسجد قال الله تبارك اسمه عبدي زارني وعليّ قِراه ولن أرضى له قِرًى دون الجنة». قال ابن الأنباري: إن جعلت «في» متعلقة بـ«ـيسبِّح» أو رافعة للرجال حَسُن الوقف على قوله «والله بكل شيء عليم». وقال الرُّمَّانِي: هي متعلقة بـ«ـيوقد» وعليه فلا يوقف على «عليم». فإن قيل: فما الوجه إذا كانت البيوت متعلقة بـ«ـيوقد» في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيوت، ولا يكون مشكاة واحدة إلا في بيت واحد. قيل: هذا من الخطاب المتلوّن الذي يفتح بالتوحيد ويختم بالجمع كقوله تعالى:يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [الطلاق: 1] ونحوه. وقيل: رجع إلى كل واحد من البيوت. وقيل: هو كقوله تعالى:وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [نوح: 16] وإنما هو في واحدة منها. واختلف الناس في البيوت هنا على خمسة أقوال: الأَوَّل: أنها المساجد المخصوصة لله تعالى بالعبادة، وأنها تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض قاله ابن عباس ومجاهد والحسن. الثاني: هي بيوت بيت المقدس عن الحسن أيضاً. الثالث: بيوت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن مجاهد أيضاً. الرابع: هي البيوت كلّها قاله عكرمة. وقوله: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } يقوّي أنها المساجد. وقول خامس: أنها المساجد الأربعة التي لم يبنها إلا نبيّ: الكعبة وبيت أرِيحَا ومسجد المدينة ومسجد قُبَاء قاله ابن بُريدة. وقد تقدّم ذلك في «براءة». قلت: الأظهر القول الأوّل لما رواه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحبَّ الله عز وجل فليحبّني ومن أحبّني فلْيحِبّ أصحابي ومن أحب أصحابي فليُحِبّ القرآن ومن أحبّ القرآن فلْيُحِبّ المساجد فإنها أفنية الله أبنيته أذن الله في رفعها وبارك فيها ميمونةٌ ميمون أهلها محفوظةٌ محفوظ أهلها هم في صلاتهم والله عز وجل في حوائجهم هم في مساجدهم والله من ورائهم ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد