الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } إلى قوله: { مِن زِينَتِهِنَّ } فيه ثلاث وعشرون مسألة: الأولى: قوله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ } خصّ الله سبحانه وتعالى الإناث هنا بالخطاب على طريق التأكيد فإن قوله: «قل للمؤمنين» يكفي لأنه قول عام يتناول الذَّكَر والأنثى من المؤمنين، حسب كلّ خطاب عام في القرآن. وظهر التضعيف في «يَغْضُضْنَ» ولم يظهر في «يَغُضُّوا» لأن لام الفعل من الثاني ساكنة ومن الأوّل متحركة، وهما في موضع جزم جواباً. وبدأ بالغَضّ قبل الفرج لأن البصر رائد للقلب كما أن الحُمَّى رائد الموت. وأخذ هذا المعنى بعض الشعراء فقال:
ألم تر أن العين للقلب رائد   ما تألف العينان فالقلب آلف
وفي الخبر: «النظر سَهْم من سهام إبليس مسموم فمن غضّ بصره أورثه الله الحلاوة في قلبه». وقال مجاهد: إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزيّنها لمن ينظر فإذا أدبرت جلس على عَجُزها فزيّنها لمن ينظر. وعن خالد بن أبي عمران قال: لا تُتْبِعنّ النظرة النظرة فربما نظر العبد نظرةً نَغِل منها قلبُه كما يَنْغَل الأديم فلا يُنتفع به. فأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار عما لا يحل فلا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة، ولا المرأة إلى الرجل فإن علاقتها به كعلاقته بها وقصدها منه كقصده منها. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر... " الحديث. وقال الزهري في النظر إلى التي لم تَحِض من النساء: لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يُشْتَهَى النظرُ إليهن وإن كانت صغيرة. وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري. وفي الصحيحين عنه عليه السلام أنه صرف وجه الفضل عن الخَثْعَمِيّة حين سألته، وطَفِق الفضل ينظر إليها. وقال عليه السلام: " الغَيْرة من الإيمان والمِذاء من النفاق " والمِذَاء هو أن يجمع الرجل بين النساء والرجال ثم يخلّيهم يُماذِي بعضهم بعضاً مأخوذ من المَذْي. وقيل: هو إرسال الرجال إلى النساء من قولهم: مَذَيْتُ الفرس إذا أرسلتَها تَرْعَى. وكلّ ذَكَرَ يَمْذي، وكلّ أنثى تَقْذِي فلا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحلّ له، أو لمن هي محرّمة عليه على التأبيد فهو آمن أن يتحرّك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها. الثانية: روى الترمذِيّ " عن نَبْهان مولى أم سلمة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها ولميمونة وقد دخل عليها ابن أمّ مَكْتُوم: «احتجِبا» فقالتا: إنه أعمى قال: «أفَعَمْيَاوَانِ أنتما ألستما تُبصرانه» "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9