الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

فيه سبع عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً } لما خصّص الله سبحانه ابن آدم الذي كرّمه وفضّله بالمنازل وسترهم فيها عن الأبصار، وملّكهم الاستمتاع بها على الانفراد، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها من غير إذن أربابها، أدّبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع أحد منهم على عَوْرة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حلّ لهم أن يفقئوا عينه " وقد اختلف في تأويله فقال بعض العلماء: ليس هذا على ظاهره، فإن فقأ فعليه الضمان، والخبر منسوخ، وكان قبل نزول قوله تعالى:وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ } [النحل: 126]. ويحتمل أن يكون خارج على وجه الوعيد لا على وجه الحتم، والخبر إذا كان مخالفاً لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به. وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتكلم بالكلام في الظاهر وهو يريد شيئاً آخر كما جاء في الخبر أن عباس بن مِرْداس لما مدحه قال لبلال: «قم فاقطع لسانه» وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئاً، ولم يرد به القطع في الحقيقة. وكذلك هذا يحتمل أن يكون ذكر فَقْء العين والمراد أن يعمل به عمل حتى لا ينظر بعد ذلك في بيت غيره. وقال بعضهم: لا ضمان عليه ولا قصاص وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لحديث أنس، على ما يأتي. الثانية: سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري وغيره عن عَدِيّ بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحِبّ أن يراني عليها أحد، لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل عليّ وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت الآية. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى:لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } [النور: 92]. الثالثة: مدّ الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس، وهو الاستئذان. قال ابن وهب قال مالك: الاستئناس فيما نرى والله أعلم الاستئذان وكذا في قراءة أبَيّ وابن عباس وسعيد بن جُبير «حَتَّى تَسْتَأذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا». وقيل: إن معنى «تستأنسوا» تستعلموا أي تستعلموا من في البيت. قال مجاهد: بالتنحنح أو بأي وجه أمكن، ويتأنّى قدرَ ما يعلم أنه قد شُعِر به، ويدخل إثْر ذلك. وقال معناه الطبري ومنه قوله تعالى:فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً }

السابقالتالي
2 3 4 5 6