الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ }

قوله تعالى: { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } الآيات يريد بها القرآن. { تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } أي تقرأ. قال الضحاك: قبل أن تعذبوا بالقتل و { تَنكِصُونَ } ترجعون وراءكم. مجاهد: تستأخرون وأصله أن ترجع الْقَهْقَرَى. قال الشاعر:
زعموا بأنهمُ على سُبُل النّجا   ة وإنما نُكُصٌ على الأعقاب
وهو هنا استعارة للإعراض عن الحق. وقرأ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه «على أدباركم» بدل «على أعقابكم»، «تنكصون» بضم الكاف. { مُسْتَكْبِرِينَ } حال، والضمير في «به» قال الجمهور: هو عائد على الحرم أو المسجد أو البلد الذي هو مكة، وإن لم يتقدم له ذكر لشهرته في الأمر أي يقولون نحن أهل الحرم فلا نخاف. وقيل: المعنى أنهم يعتقدون في نفوسهم أن لهم بالمسجد والحرم أعظمَ الحقوق على الناس والمنازل فيستكبرون لذلك، وليس الاستكبار من الحق. وقالت فرقة: الضمير عائد على القرآن من حيث ذكرت الآيات والمعنى: يُحدث لكم سماع آياتي كبراً وطغياناً فلا تؤمنوا به. قال ابن عطية: وهذا قول جيد. النحاس: والقول الأوّل أولى، والمعنى: أنهم يفتخرون بالحرم ويقولون نحن أهل حرم الله تعالى. قوله تعالى: { سَامِراً تَهْجُرُونَ } فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { سَامِراً تَهْجُرُونَ } «سامِراً» نصب على الحال، ومعناه سُمّارا، وهم الجماعة يتحدثون بالليل، مأخوذ من السَّمَر وهو ظل القمر ومنه سُمرة اللون. وكانوا يتحدثون حول الكعبة في سَمَر القمر فسمّي التحدث به. قال الثوري: يقال لظل القمر السَّمَر ومنه السُّمْرة في اللون، ويقال له: الفَخْت ومنه قيل: فاختة. وقرأ أبو رَجَاء «سُمّارا» وهو جمع سامر كما قال:
ألسـتَ تـرى السُّمـارَ والنّـاسَ أحـوالـي   
وفي حديث قَيْلة: إذا جاء زوجها من السامر يعني من القوم الذين يَسْمُرون بالليل فهو اسم مفرد بمعنى الجمع، كالحاضر وهم القوم النازلون على الماء، والباقر جمع البقر، والجامل جمع الإبل، ذكورتها وإناثها ومنه قوله تعالى:ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [الحج: 5] أي أطفالاً. يقال: قوم سَمْر وسُمَّر وسامِر، ومعناه سهر الليل مأخوذ من السَّمَر وهو ما يقع على الأشجار من ضوء القمر. قال الجوهري: السامر أيضاً السُّمّار، وهم القوم الذين يَسْمُرون كما يقال للحاج حُجّاج، وقول الشاعر:
وسـامرٍ طـال فيـه اللّـهْـوُ والسّـمَـرُ   
كأنه سمى المكان الذي يجتمع فيه للسمر بذلك. وقيل: وحّد سامراً وهو بمعنى السُّمار لأنه وضع موضع الوقت، كقول الشاعر:
مِن دونهم إن جئتَهم سَمَراً   عَزْفُ القِيَانِ ومَجْلِسٌ غَمْرُ
فقال: سَمَراً، لأن معناه: إن جئتهم ليلاً وجدتهم وهم يسمرون. وٱبنا سَمِير: الليل والنهار لأنه يُسْمَر فيهما، يقال: لا أفعله ما سَمَر ابنا سمِير أبداً. ويقال: السَّمير الدهر، وٱبناه الليل والنهار. ولا أفعله السَّمَرَ والقمرَ أي ما دام الناس يَسْمُرون في ليلة قمراء.

السابقالتالي
2 3