الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ }

فيه ست مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَشَجَرَةً } شجرة عطف على جنات. وأجاز الفراء الرفع لأنه لم يظهر الفعل، بمعنى وثَمّ شجرة ويريد بها شجرة الزيتون. وأفردها بالذكر لعظيم منافعها في أرض الشام والحجاز وغيرهما من البلاد، وقلّة تعاهدها بالسّقي والحفر وغير ذلك من المراعاة في سائر الأشجار. { تَخْرُجُ } في موضع الصفة. { مِن طُورِ سَيْنَآءَ } أي أنبتها الله في الأصل من هذا الجبل الذي بارك الله فيه. وطورُسَيْناء من أرض الشأم وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام قاله ابن عباس وغيره، وقد تقدّم في البقرة والأعراف. والطور الجبل في كلام العرب. وقيل: هو مما عُرّب من كلام العجم. وقال ابن زيد: هو جبل بيت المقدس ممدود من مصر إلى أيْلة. واختُلف في سَيْناء فقال قتادة: معناه الحسَن ويلزم على هذا التأويل أن يُنَوَّن الطور على النعت. وقال مجاهد: معناه مبارك. وقال معمر عن فرقة: معناه شجر ويلزمهم أن ينوّنوا الطور. وقال الجمهور: هو اسم الجبل كما تقول جبل أُحُد. وعن مجاهد أيضاً: سَيْناء حجر بعينه أضيف الجبل إليه لوجوده عنده. وقال مقاتل كل جبل يحمل الثمار فهو سيناء أي حسن. وقرأ الكوفيون بفتح السين على وزن فَعْلاء، وفعلاء في كلام العرب كثير يمنع من الصرف في المعرفة والنكرة لأن في آخرها ألف التأنيث، وألفُ التأنيث ملازمة لما هي فيه، وليس في الكلام فِعلاء، ولكن من قرأ سِيناء بكسر السين جعله فِعلالا فالهمزة فيه كهمزة حِرباء، ولم يصرف في هذه الآية لأنه جعل اسم بقعة. وزعم الأخفش أنه اسم أعجميّ. الثانية: قوله تعالى: { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } قرأ الجمهور «تَنبت» بفتح التاء وضم الباء، والتقدير: تنبت ومعها الدهن كما تقول: خرج زيد بسلاحه. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم التاء وكسر الباء. واختلف في التقدير على هذه القراءة فقال أبو عليّ الفارسي: التقدير تنبت جناها ومعه الدهن فالمفعول محذوف. وقيل: الباء زائدة مثلُوَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [البقرة: 195] وهذا مذهب أبي عبيدة. وقال الشاعر:
نـضـرب بـالسـيـف ونـرجـو بالـفَـرَج   
وقال آخر:
هنّ الحرائر لا رَبّاتُ أَخْمرة   سود المحاجر لا يقرأن بالسُّوَرِ
ونحو هذا قاله أبو عليّ أيضاً وقد تقدّم. وقيل: نبت وأنبت بمعنًى فيكون المعنى كما مضى في قراءة الجمهور، وهو مذهب الفراء وأبي إسحاق، ومنه قول زُهير:
... حـتـى إذا أنـبـت الـبَـقْـلُ   
والأصمعي ينكر أنبت، ويتّهم قصيدة زهير التي فيها:
رأيتُ ذوي الحاجاتِ حَوْلَ بيوتِهم   قَطِيناً بها حتى إذا أنبت البقل
أي نبت. وقرأ الزُّهْري والحسن والأعرج «تُنْبَت بالدهن» برفع التاء ونصب الباء. قال ابن جِنّي والزجاج: هي باء الحال أي تُنْبَت ومعها دهنها. وفي قراءة ابن مسعود: «تخرج بالدهن» وهي باء الحال.

السابقالتالي
2 3