الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }

قوله تعالى: { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } أي شرعا. { هُمْ نَاسِكُوهُ } أي عاملون به. { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ } أي لا ينازعنك أحد منهم فيما يُشرع لأمتك فقد كانت الشرائع في كل عصر. وروت فرقة أن هذه الآية نزلت بسبب جدال الكفار في أمر الذبائح، وقولهم للمؤمنين: تأكلون ما ذبحتم ولا تأكلون ما ذبح الله من الميتة، فكان ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم أنتم بسكاكينكم فنزلت الآية بسبب هذه المنازعة. وقد مضى هذا في «الأنعام» والحمد لله. وقد تقدم في هذه السورة ما للعلماء في قوله تعالى: { مَنسَكاً }. وقوله: { هُمْ نَاسِكُوهُ } يعطي أن المَنْسك المصدر، ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه. وقال الزجاج: «فلا يُنَازِعُنَّك في الأمر» أي فلا يجادلنّك ودلّ على هذا «وإن جَادَلُوكَ». ويقال: قد نازعوه فكيف قال فلا ينازعنك فالجواب أن المعنى فلا تنازعهم أنت. نزلت الآية قبل الأمر بالقتال، تقول: لا يضاربنك فلان فلا تضاربه أنت فيجري هذا في باب المفاعلة. ولا يقال: لا يضربنك زيد وأنت تريد لا تضرب زيداً. وقرأ أبو مِجْلَز «فلا يَنْزِعنّك في الأمر» أي لا يستخفَنَّك ولا يغلبنك عن دينك. وقراءة الجماعة من المنازعة. ولفظ النهي في القراءتين للكفار، والمراد النبيّ صلى الله عليه وسلم. { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي إلى توحيده ودينه والإيمان به. { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى } أي دين. { مُّسْتَقِيمٍ } أي قويم لا اعوجاج فيه.