الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { تَمَنَّىٰ } أي قرأ وتلا. و { أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } أي قراءته وتلاوته. وقد تقدّم في البقرة. قال ابن عطية: وجاء عن ابن عباس أنه كان يقرأ «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نَبِيٍّ ولا مُحَدَّث» ذكره مَسْلَمة بن القاسم بن عبد الله، ورواه سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس. قال مسلمة: فوجدنا المُحَدَّثين معتصمين بالنبوّة ـ على قراءة ابن عباس ـ لأنهم تكلموا بأمور عالية من أنباء الغيب خَطرات، ونطقوا بالحكمة الباطنة فأصابوا فيما تكلموا وعُصموا فيما نطقوا كعمر بن الخطاب في قصة سارية وما تكلم به من البراهين العالية. قلت: وقد ذكر هذا الخبر أبو بكر الأنباريّ في كتاب الردّ له، وقد حدّثني أبي رحمه الله حدّثنا عليّ بن حرب حدّثنا سفيان بن عُيينة عن عمرو عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ «وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نَبِيّ ولا مُحَدَّث» قال أبو بكر: فهذا حديث لا يؤخذ به على أن ذلك قرآن. والمحدَّث هو الذي يوحى إليه في نومه لأن رؤيا الأنبياء وَحْيٌ. الثانية: قال العلماء: إن هذه الآية مشكلة من جهتين: إحداهما: أن قوماً يرون أن الأنبياء صلوات الله عليهم فيهم مرسلون وفيهم غير مرسلين. وغيرهم يذهب إلى أنه لا يجوز أن يقال نبيّ حتى يكون مرسلاً. والدليل على صحة هذا قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ } فأوجب للنبيّ صلى الله عليه وسلم الرسالة. وأن معنى «نَبيّ» أنبأ عن الله عز وجل، ومعنى أنبأ عن الله عز وجل الإرسال بعينه. وقال الفراء: الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإرسال جبريل عليه السلام إليه عِياناً. والنبيّ الذي تكون نبوّته إلهاماً أو مناماً فكل رسول نبيٌّ وليس كلّ نبيّ رسولا. قال المهدوِيّ: وهذا هو الصحيح، أن كلَّ رسول نبيٌّ وليس كل نبيّ رسولا. وكذا ذكر القاضي عِياض في كتاب الشفا قال: والصحيح والذي عليه الجمّ الغفير أن كلّ رسول نبيّ وليس كل نبيّ رسولا واحتج بحديث أبي ذرّ، وأن الرسل من الأنبياء ثلاثمائة وثلاثة عشر، أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. والجهة الأخرى التي فيها الإشكال وهي: الثالثة: الأحاديث المروِيّة في نزول هذه الآية، وليس منها شيء يصح. وكان مما تموّه به الكفار على عوامّهم قولهم: حق الأنبياء ألا يعجِزوا عن شيء، فلم لا يأتينا محمد بالعذاب وقد بالغنا في عداوته؟ وكانوا يقولون أيضاً: ينبغي ألا يجري عليهم سَهْوٌ وغلط فبيّن الرب سبحانه أنهم بَشَر، والآتي بالعذاب هو الله تعالى على ما يريد، ويجوز على البشر السهو والنسيان والغلط إلى أن يُحكم الله آياته وينْسَخ حِيَل الشيطان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6