الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ }

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } ـ إلى قوله ـ { مُّسَمًّى } فيه اثنتا عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: { إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } هذا احتجاج على العالم بالبداءة الأولى. وقوله: { إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ } متضمّنة التوقيف. وقرأ الحسن بن أبي الحسن «البَعَث» بفتح العين وهي لغة في «البَعْث» عند البصريين. وهي عند الكوفيين بتخفيف «بَعَث». والمعنى: يا أيها الناس إن كنتم في شك من الإعادة. { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ } أي خلقنا أباكم الذي هو أصل البشر يعني آدم عليه السلام { مِّن تُرَابٍ }. { ثُمَّ } خلقنا ذريته { مِن نُّطْفَةٍ } وهو المنِيّ سُمِّيَ نطفة لقلّته، وهو القليل من الماء، وقد يقع على الكثير منه ومنه الحديث: " حتى يسير الراكب بين النُّطفتين لا يخشى جَوْراً " أراد بحر المشرق وبحر المغرب. والنَّطْف: القَطْر. نَطَف يَنْطِفُ وينطُف. وليلة نَطوفة دائمة القطر. { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } وهو الدّم الجامد. والعَلَق الدّم العَبِيط أي الطَّرِيّ. وقيل: الشديد الحمرة. { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ } وهي لحمة قليلة قدرُ ما يمضغ ومنه الحديث: " ألاَ وإنّ في الجسد مُضْغة " وهذه الأطوار أربعة أشهر. قال ابن عباس: وفي العشر بعد الأشهر الأربعة يُنفخ فيه الروح، فذلك عدّة المتوفَّى عنها زوجها، أربعة أشهرٍ وعشر. الثانية: روى يحيـى بن زكرياء بن أبي زائدة حدّثنا داود عن عامر عن علقمة عن ابن مسعود وعن ابن عمر أن النطفة إذا استقرّت في الرّحم أخذها مَلَك بكفه فقال: «يا ربّ، ذكر أم أنثى، شقيّ أم سعيد، ما الأجل والأَثر، بأي أرض تموت؟ فيقال له انطلق إلى أمّ الكتاب فإنك تجد فيها قصة هذه النطفة. فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب، فتخلق فتأكل رزقها وتطأ أثرها فإذا جاء أجلها قُبضت فدفنت في المكان الذي قُدّر لها ثم قرأ عامر: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ }. وفي الصحيح عن أنس بن مالك ـ ورفع الحديث ـ قال: " إن الله قد وَكّل بالرحم مَلَكاً فيقول أيْ ربِّ نطفةٌ. أيْ رَبّ عَلَقة. أيْ رَبّ مُضْغَة. فإذا أراد الله أن يقضي خلقاً قال - قال - الملك أيْ رَبّ ذَكَرَ أو أنثى شقيّ أو سعيد. فما الرزق فما الأجل. فيكتب كذلك في بطن أمه " وفي الصحيح أيضاً عن حُذيفة بن أسِيد الغِفاريّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا مَرّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها مَلَكاً فصوّرها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم يقول أيْ ربّ أذكر أم أنثى... " وذكر الحديث.

السابقالتالي
2 3 4 5 6