الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ }

قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني كفار مكة فيشاهدوا هذه القرى فيتّعظوا، ويحذروا عقاب الله أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم. { فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ } أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الأذن. وقد قيل: إن العقل محله الدماغ وروي عن أبي حنيفة، وما أراها عنه صحيحة. { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } قال الفراء: الهاء عماد، ويجوز أن يقال فإنه، وهي قراءة عبد الله بن مسعود، والمعنى واحد، التذكير على الخبر، والتأنيث على الأبصار أو القصة أي فإن الأبصار لا تعمى، أو فإن القصة. { لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ } أي أبصار العيون ثابتة لهم. { وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } أي عن درك الحق والاعتبار. وقال قتادة: البصر الناظر جعل بُلْغة ومنفعة، والبصر النافع في القلب. وقال مجاهد: لكن عين أربع أعين يعني لكل إنسان أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لآخرته فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضرّه عماه شيئاً، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئاً. وقال قتادة وابن جُبير: نزلت هذه الآية في ابن أُمّ مَكْتُوم الأعمى. قال ابن عباس ومقاتل: لما نزلوَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } [الإسراء: 72] قال ابن أمّ مكتوم: يا رسول الله، فأنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت: { فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ }. أي من كان في هذه أعمى بقلبه عن الإسلام فهو في الآخرة في النار.