الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

فيه ثلاث وعشرون مسألة: الأولى: قوله تعالى: { لِّيَشْهَدُواْ } أي أذّن بالحج يأتوك رجالاً وركباناً ليشهدوا أي ليحضروا. والشهود الحضور. { مَنَافِعَ لَهُمْ } أي المناسك كعرفات والمَشْعَر الحرام. وقيل المغفرة. وقيل التجارة: وقيل هو عموم أي ليحضروا منافع لهم، أي ما يرضي الله تعالى من أمر الدنيا والآخرة قاله مجاهد وعطاء واختاره ابن العربي فإنه يجمع ذلك كله من نسك وتجارة ومغفرة ومنفعة دنيا وأخرى. ولا خلاف في أن المراد بقوله:لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } [البقرة: 198] التجارة. الثانية: { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } قد مضى في «البقرة» الكلام في الأيام المعلومات والمعدودات. والمراد بذكر اسم الله ذكر التسمية عند الذبح والنحر مثل قولك: باسم الله والله أكبر، اللهم منك ولك. ومثل قولك عند الذبحإِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي } [الأنعام: 162] الآية. وكان الكفار يذبحون على أسماء أصنامهم، فبيّن الرب أن الواجب الذبح على اسم الله وقد مضى في «الأنعام». الثالثة: واختلف العلماء في وقت الذبح يوم النحر فقال مالك رضي الله عنه: بعد صلاة الإمام وذبحه إلا أن يؤخر تأخيراً يتعدّى فيه فيسقط الاقتداء به. وراعى أبو حنيفة الفراغ من الصلاة دون ذبح. والشافعيّ دخول وقت الصلاة ومقدار ما توقع فيه مع الخطبتين فاعتبر الوقت دون الصلاة. هذه رواية المُزَنِيّ عنه، وهو قول الطبريّ. وذكر الربيع عن البُوَيْطِيّ قال: قال الشافعيّ: ولا يذبح أحد حتى يذبح الإمام إلا أن يكون ممن لا يذبح، فإذا صلى وفرغ من الخطبة حلّ الذبح. وهذا كقول مالك. وقال أحمد: إذا انصرف الإِمام فاذبح. وهو قول إبراهيم. وأصح هذه الأقوال قول مالك لحديث جابر بن عبد الله قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة، فتقدّم رجال ونحروا وظنُّوا أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم من كان نحر أن يعيد بنحرٍ آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبيّ صلى الله عليه وسلم. خرجه مسلم والترمذيّ وقال: وفي الباب عن جابر وجُنْدَب وأنس وعُوَيْمر بن أشقر وابن عمر وأبي زيد الأنصاريّ، وهذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم ألا يضحَّى بالمصر حتى يضحّي الإمام. وقد احتج أبو حنيفة بحديث البَرَاء، وفيه: «ومن ذبح بعد الصلاة فقد تَمّ نُسُكُه وأصاب سنة المسلمين». خرجه مسلم أيضاً. فعلّق الذبح على الصلاة ولم يذكر الذبح، وحديث جابر يقيّده. وكذلك حديث البراء أيضاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9