الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }

قوله تعالى: { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } قال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل فيها أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه. { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء. { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } أي ثم ليقطع النصر إن تهيّأ له. { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } وحيلته ما يغيظه من نصر النبيّ صلى الله عليه وسلم. والفائدة في الكلام أنه إذا لم يتهيأ له الكيد والحيلة بأن يفعل مثل هذا لم يصل إلى قطع النصر. وكذا قال ابن عباس: إن الكناية في «ينصره الله» ترجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهو وإن لم يجر ذكره فجميع الكلام دال عليه لأن الإيمان هو الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم، والانقلاب عن الدين انقلاب عن الدّين الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم أي من كان يظن ممن يعادي محمداً صلى الله عليه وسلم ومَن يعبد الله على حَرْف أنا لا ننصر محمداً فليفعل كذا وكذا. وعن ابن عباس أيضاً أن الهاء تعود على «من» والمعنى: من كان يظن أن الله لا يرزقه فليختنق، فليقتل نفسه إذ لا خير في حياة تخلو من عَوْن الله. والنصر على هذا القول الرزق تقول العرب: من ينصرني نصره الله أي من أعطاني أعطاه الله. ومن ذلك قول العرب: أرض منصورة أي ممطورة. قال الفقعسيّ:
وأنك لا تعطي امرءاً فوق حقه   ولا تملك الشق الذي الغيث ناصره
وكذا روى ابن أبي نَجيح عن مجاهد قال: «من كان يظن أن لن ينصره الله» أي لن يرزقه. وهو قول أبي عبيدة. وقيل: إن الهاء تعود على الدّين والمعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله دينه. { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } أي بحبل. والسبب ما يتوصل به إلى الشيء. { إِلَى ٱلسَّمَآءِ } إلى سقف البيت. ابن زيد: هي السماء المعروفة. وقرأ الكوفيون «ثم ليقطع» بإسكان اللام. قال النحاس: وهذا بعيد في العربية لأن «ثم» ليست مثل الواو والفاء، لأنها يوقف عليها وتنفرد. وفي قراءة عبد الله «فليقطعه ثم لينظر هل يُذهبن كيدُه ما يغيظ». قيل: «ما» بمعنى الذي أي هل يذهبن كيده الذي يغيظه، فحذف الهاء ليكون أخف. وقيل: «ما» بمعنى المصدر أي هل يذهبن كيدُه غيظَه.