الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَذَا ٱلنُّونِ } أي واذكر «ذَا النُّون» وهو لقب ليونس بن متى لابتلاع النون إياه. والنون الحوت. وفي حديث عثمان رضي الله عنه أنه رأى صبياً مليحاً فقال: دَسّموا نُونَته كي لا تصيبه العين. روى ثعلب عن ابن الأعرابي: النّونة النقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومعنى دسِّموا سوِّدوا. { إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً } قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير: مغاضباً لربه عز وجل. واختاره الطبري والقتبي واستحسنه المهدوي، وروي عن ابن مسعود. وقال النحاس: وربما أنكر هذا من لا يعرف اللغة وهو قول صحيح. والمعنى: مغاضباً من أجل ربه، كما تقول: غضبت لك أي من أجلك. والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عُصي. وأكثر أهل اللغة يذهب إلى أن " قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: «اشترطي لهم الولاء» " من هذا. وبالغ القتبي في نصرة هذا القول. وفي الخبر في وصف يونس: إنه كان ضيق الصدر فلما حمل أعباء النبوّة تَفسَّخ تحتها تفسّخ الرُّبَع تحت الحمل الثقيل، فمضى على وجهه مضي الآبق النادّ. وهذه المغاضبة كانت صغيرة. ولم يغضب على الله ولكن غضب لله إذ رفع العذاب عنهم. وقال ابن مسعود: أبق من ربه أي من أمر ربه حتى أمره بالعود إليهم بعد رفع العذاب عنهم. فإنه كان يتوعد قومه نزول العذاب في وقت معلوم، وخرج من عندهم في ذلك الوقت، فأظلهم العذاب فتضرعوا فرفع عنهم ولم يعلم يونس بتوبتهم فلذلك ذهب مغاضباً وكان من حقه ألا يذهب إلا بإذن محدّد. وقال الحسن: أمره الله تعالى بالمسير إلى قومه فسأل أن ينظر ليتأهب، فأعجله الله حتى سأل أن يأخذ نعلاً ليلبسها فلم يُنظر، وقيل له: الأمر أعجل من ذلك ـ وكان في خلقه ضيق ـ فخرج مغاضباً لربه فهذا قول وقول النحاس أحسن ما قيل في تأويله. أي خرج مغاضباً من أجل ربه، أي غضب على قومه من أجل كفرهم بربه. وقيل: إنه غاضب قومه حين طال عليه أمرهم وتعنتهم فذهب فارّاً بنفسه، ولم يصبر على أذاهم وقد كان الله أمره بملازمتهم والدعاء، فكان ذنبه خروجه من بينهم من غير إذن من الله. روي معناه عن ابن عباس والضحاك، وأن يونس كان شاباً ولم يحمل أثقال النبوّة ولهذا قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم:وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } [القلم: 48]. وعن الضحاك أيضاً خرج مغاضباً لقومه لأن قومه لما لم يقبلوا منه وهو رسول من الله عز وجل كفروا بهذا فوجب أن يغاضبهم، وعلى كل أحد أن يغاضب من عصى الله عز وجل. وقالت فرقة منهم الأخفش: إنما خرج مغاضباً للملك الذي كان على قومه.

السابقالتالي
2 3 4 5