الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } * { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ }

فيه ست وعشرون مسألة: الأولى: قوله تعالى: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ } أي واذكرهما إذ يحكمان، ولم يرد بقوله «إِذ يحكمان» الاجتماع في الحكم وإن جمعهما في القول فإن حَكَمين على حكم واحد لا يجوز. وإِنما حكَم كل واحد منهما على انفراده، وكان سليمان الفاهم لها بتفهيم الله تعالى إياه. { فِي ٱلْحَرْثِ } اختلف فيه على قولين: فقيل: كان زرعاً قاله قتادة. وقيل: كرماً نبتت عناقيده قاله ابن مسعود وشريح. و«الحرث» يقال فيهما، وهو في الزرع أبعد من الاستعارة. الثانية: قوله تعالى: { إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ } أي رعت فيه ليلاً والنفش الرعي بالليل. يقال: نفشت بالليل، وهَمَلت بالنهار، إذا رعت بلا راعٍ. وأنفشها صاحبها. وإبلٌ نُفَّاش. وفي حديث عبد الله بن عمرو: الحبة في الجنة مثل كرِش البعير يبيت نافِشاً أي راعياً حكاه الهروي. وقال ابن سيده: لا يقال الهَمَل في الغنم، وإنما هو في الإبل. الثالثة: قوله تعالى: { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } دليل على أن أقل الجمع اثنان. وقيل: المراد الحاكمان والمحكوم عليه فلذلك قال «لحكمِهِم». الرابعة: قوله تعالى: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } أي فهمناه القضية والحكومة، فكنى عنها إذ سبق ما يدل عليها. وفضل حكم سليمان حكم أبيه في أنه أحرز أن يبقى ملك كل واحد منهما على متاعه، وتبقى نفسه طيبة بذلك وذلك أن داود عليه السلام رأى أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث. وقالت فرقة: بل دفع الغنم إلى صاحب الحرث، والحرث إلى صاحب الغنم. قال ابن عطية: فيشبه على القول الواحد أنه رأى الغنم تقاوم الغلة التي أفسدت. وعلى القول الثاني رآها تقاوم الحرث والغلة فلما خرج الخصمان على سليمان وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وكانوا يدخلون إلى داود من باب آخر فقال: بم قضى بينكما نبي الله داود؟ فقالا: قضى بالغنم لصاحب الحرث. فقال لعل الحكم غير هذا انصرفا معي. فأتى أباه فقال: يا نبيّ الله إنك حكمت بكذا وكذا وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع. قال: وما هو؟ قال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم في السنة المقبلة، رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه. فقال داود: وفقت يا بنيّ لا يقطع الله فهمك. وقضى بما قضى به سليمان قال معناه ابن مسعود ومجاهد وغيرهما. قال الكلبي: قوّم داود الغنم والكرم الذي أفسدته الغنم فكانت القيمتان سواء، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم. وهكذا قال النحاس قال: إنما قضى بالغنم لصاحب الحرث لأن ثمنها كان قريباً منه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد