الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } * { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } * { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } * { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } * { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ } قال الفراء: أي أعطيناه هداه { مِن قَبْلُ } أي من قبل النبوة أي وفقناه للنظر والاستدلال، لما جَنَّ عليه الليل فرأى النجم والشمس والقمر. وقيل: «مِنْ قَبْلُ» أي من قبل موسى وهارون. والرشد على هذا النبوة. وعلى الأول أكثر أهل التفسير كما قال ليحيـى:وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً } [مريم: 12]. وقال القرظي: رشده صلاحه. { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } أي إنه أهل لإيتاء الرشد وصالح للنبوة. قوله تعالى: { إِذْ قَالَ لأَبِيهِ } قيل: المعنى أي اذكر حين قال لأبيه فيكون الكلام قد تم عند قوله: «وكُنَّا بِهِ عَالِمينَ». وقيل: المعنى «وَكُنَّا بِهِ عَالِمينَ إِذْ قَالَ» فيكون الكلام متصلاً ولا يوقف على قوله: «عالمِين». «لأبِيهِ» وهو آزر { وَقَوْمِهِ } نمروذ ومن اتبعه. { مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ } أي الأصنام. والتمثال اسم موضوع للشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله تعالى. يقال: مثّلت الشيء بالشيء أي شبّهته به. واسم ذلك الممثَّل تمثال. { ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } أي مقيمون على عبادتها. { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } أي نعبدها تقليداً لأسلافنا. { قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي في خسران بعبادتها إذ هي جمادات لا تنفع ولا تضر ولا تعلم. { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ } أي أجاءٍ أنت بحقّ فيما تقول؟ { أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ } أي لاعب مازح. { قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي لست بلاعب، بل ربكم والقائم بتدبيركم خالق السموات والأرض. { ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ } أي خلقهن وأبدعهن. { وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } أي على أنه رب السموات والأرض. والشاهد يبين الحكم، ومنه «شَهِدَ اللَّهُ» بَيَّن الله فالمعنى: وأنا أبيّن بالدليل ما أقول.