الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } * { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }

قوله تعالى: { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } قال عبد الله بن مسعود: الكهف ومريم وطه والأنبياء من العتاق الأول، وهنّ من تلادي يريد من قديم ما كسب وحفظ من القرآن كالمال التّلاد. وروي أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبني جداراً، فمرّ به آخر في يوم نزول هذه السورة، فقال الذي كان يبني الجدار: ماذا نزل اليوم من القرآن؟ فقال الآخر: نزل { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } فنفض يده من البنيان، وقال: والله لا بنيت أبداً وقد اقترب الحساب. «اقترب» أي قرب الوقت الذي يحاسبون فيه على أعمالهم. «للناس» قال ابن عباس: المراد بالناس هاهنا المشركون بدليل قوله تعالى: { إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } إلى قوله: { أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }. وقيل: الناس عموم وإن كان المشار إليه في ذلك الوقت كفار قريش يدل على ذلك ما بعد من الآيات ومن عَلِم اقتراب الساعة قصر أمله، وطابت نفسه بالتوبة، ولم يركن إلى الدنيا، فكأنّ ما كان لم يكن إذا ذهب، وكل آتٍ قريب، والموت لا محالة آتٍ وموت كل إنسان قيام ساعته والقيامة أيضاً قريبة بالإضافة إلى ما مضى من الزمان، فما بقي من الدنيا أقل مما مضى. وقال الضحاك: معنى { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } أي عذابهم يعني أهل مكة لأنهم استبطأوا ما وُعِدوا به من العذاب تكذيباً، وكان قتلهم يوم بَدْر. النحاس: ولا يجوز في الكلام اقترب حسابهم للناس لئلا يتقدّم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوي به التأخير. { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } ابتداء خبر. ويجوز النصب في غير القرآن على الحال. وفيه وجهان: أحدهما: «وهم فِي غفلةٍ معرِضون» يعني بالدنيا عن الآخرة. الثاني: عن التأهب للحساب وعما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه الواو عند سيبويه بمعنى «إذ» وهي التي يسميها النحويون واو الحال كما قال الله تبارك وتعالى:يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } [آل عمران: 154]. قوله تعالى: { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ } «مُحْدَثٍ» نعت لـ«ـذكر». وأجاز الكسائي والفراء «مُحْدَثاً» بمعنى ما يأتيهم محدثاً نصب على الحال. وأجاز الفراء أيضاً رفع «مُحْدَث» على النعت للذِّكر لأنك لو حذفت «مِن» رفعت ذكراً أي ما يأتيهم ذكر من ربهم مُحدَث يريد في النزول وتلاوة جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان ينزل سورة بعد سورة، وآية بعد آية، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت لا أن القرآن مخلوق. وقيل: الذكر ما يذكرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ويعظهم به. وقال: { مِّن رَّبِّهِمْ } لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا بالوحي، فوعظ النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره ذكر، وهو محدث قال الله تعالى:

السابقالتالي
2 3