الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } * { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } أي من الشرك وهو المجازي عليه. { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ } أي لعل الإمهال { فِتْنَةٌ لَّكُمْ } أي اختبار ليرى كيف صنيعكم وهو أعلم. { وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } قيل: إلى انقضاء المدّة. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية في منامه يلون الناس، فخرج الحَكَمُ من عنده فأخبر بني أمية بذلك فقالوا له: ارجع فسله متى يكون ذلك. فأنزل الله تعالى:وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } [الأنبياء: 109]وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } [الأنبياء: 111] يقول لنبيه عليه السلام قل لهم ذلك. قوله تعالى: { قُلْ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } ختم السورة بأن أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بتفويض الأمر إليه وتوقع الفرج من عنده، أي احكم بيني وبين هؤلاء المكذّبين وانصرني عليهم. روى سعيد عن قتادة قال: كانت الأنبياء تقول:رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 89] فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقول: «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» فكان إذا لقي العدو يقول وهو يعلم أنه على الحق وعدوه على الباطل { رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } أي اقض به. وقال أبو عبيدة: الصفة هاهنا أقيمت مقام الموصوف والتقدير: رب احكم بحكمك الحق. و«رب» في موضع نصب لأنه نداء مضاف. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وابن محيصن «قُلْ رَبُّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» بضم الباء. قال النحاس: وهذا لحن عند النحويين لا يجوز عندهم رجلُ أقبلْ، حتى تقول يا رجلُ أقبلْ أو ما أشبهه. وقرأ الضحاك وطلحة ويعقوب «قَالَ رَبِّي أَحْكَمُ بِالْحَقِّ» بقطع الألف مفتوحة الكاف والميم مضمومة. أي قال محمد ربّي أحكَمُ بالحق من كل حاكم. وقرأ الجحدري «قُلْ رَبِّي أَحْكَمَ» على معنى أحكم الأمور بالحق. { وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } أي تصفونه من الكفر والتكذيب. وقرأ المفضل والسلمي «عَلَى مَا يَصِفُونَ» بالياء على الخبر. الباقون بالتاء على الخطاب والله أعلم.