الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } * { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } * { قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } * { قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } * { إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً }

قوله تعالى: { يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } ابن عباس: أخذ شعره بيمينه ولحيته بيساره لأن الغيرة في الله ملكته أي لا تفعل هذا فيتوهموا أنه منك استخفاف أو عقوبة. وقد قيل: إن موسى عليه السلام إنما فعل هذا على غير استخفاف ولا عقوبة كما يأخذ الإنسان بلحية نفسه. وقد مضى هذا في «الأعراف» مستوفٍ. والله عز وجل أعلم بما أراد نبيه عليه السلام. { إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } أي خشيت أن أخرج وأتركهم وقد أمرتني أن أخرج معهم، فلو خرجت لاتبعني قوم ويتخلف مع العجل قوم وربما أدّى الأمر إلى سفك الدماء وخشيت إن زجرتهم أن يقع قتال فتلومني على ذلك. وهذا جواب هارون لموسى عليه السلام عن قوله: { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } وفي الأعراف { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ } [الأعراف: 150] لأنك أمرتني أن أكون معهم. وقد تقدم. ومعنى { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } لم تعمل بوصيتي في حفظهم لأنك أمرتني أن أكون معهم قاله مقاتل. وقال أبو عبيدة: لم تنتظر عهدي وقدومي. فتركه موسى ثم أقبل على السامريّ فـ { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَامِرِيُّ } أي، ما أمرك وشأنك، وما الذي حملك على ما صنعت؟ قال قتادة: كان السامريّ عظيماً في بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة، ولكن عدو الله نافق بعد ما قطع البحر مع موسى، فلما مرّت بنو إسرائيل بالعمالقة وهم يعكفون على أصنام لهمقَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [الأعراف: 138] فاغتنمها السامريّ وعلم أنهم يميلون إلى عبادة العجل فاتخذ العجل. فـ { قَالَ } السامريّ مجيباً لموسى: { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } يعني: رأيت ما لم يروا رأيت جبريل عليه السلام على فرس الحياة، فألقي في نفسي أن أقبض من أثره قبضة، فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ولحم ودم فلما سألوك أن تجعل لهم إلٰهاً زَيَّنَتْ لي نفسي ذلك. وقال عليّ رضي الله عنه: لما نزل جبريل ليصعد بموسى عليه السلام إلى السماء، أبصره السامريّ من بين الناس فقبض قبضة من أثر الفرس. وقيل قال السامري: رأيت جبريل على الفرس وهي تلقي خطوها مدّ البصر، فألقي في نفسي أن أقبض من أثرها فما ألقيته على شيء إلا صار له روح ودم. وقيل: رأى جبريل يوم نزل على رَمَكة وَدِيقٍ، فتقدم خيل فرعون في ورود البحر. ويقال: إن أم السامريّ جعلته حين وضعته في غارٍ خوفاً من أن يقتله فرعون فجاءه جبريل عليه السلام، فجعل كفَّ السامريّ في فم السامريّ، فرضع العسل واللبن فاختلف إليه فعرفه من حينئذٍ. وقد تقدم هذا المعنى في «الأعراف».

السابقالتالي
2 3 4