الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } * { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } * { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } * { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }

قوله تعالى: { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } أي ما حملك على أن تسبقهم. قيل: عنى بالقوم جميع بني إسرائيل فعلى هذا قيل: استخلف هارون على بني إسرائيل، وخرج معه بسبعين رجلاً للميقات. فقوله: { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } ليس يريد أنهم يسيرون خلفه متوجهين إليه، بل أراد أنهم بالقرب مني ينتظرون عودي إليهم. وقيل: لا بل كان أمر هارون بأن يتبع في بني إسرائيل أثره ويلتحقوا به. وقال قوم: أراد بالقوم السبعين الذين اختارهم، وكان موسى لما قرب من الطور سبقهم شوقاً إلى سماع كلام الله عز وجل. وقيل: لما وفد إلى طورسينا بالوعد اشتاق إلى ربه، وطالت عليه المسافة من شدّة الشوق إلى الله تعالى، فضاق به الأمر حتى شقّ قميصه، ثم لم يصبر حتى خلّفهم ومضى وحده فلما وقف في مقامه قال الله تبارك وتعالى: { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } فبقي صلى الله عليه وسلم متحيراً عن الجواب لهذه الكلمة لمّا استقبله من صدق الشوق فأعرض عن الجواب وكنى عنه بقوله: { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي } وإنما سأله عن السبب الذي أعجله بقوله: «ما» فأخبر عن مجيئهم بالأثر. ثم قال: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } فكنى عن ذكر الشوق وصدقه إلى ابتغاء الرضا. ذكر عبد الرزاق عن مَعْمَر عن قتادة في قوله: { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } قال: شوقاً. وكانت عائشة رضي الله عنها إذا أوت إلى فراشها تقول: هاتوا المجيد. فتؤتى بالمصحف فتأخذه في صدرها وتنام معه تتسلى بذلك رواه سفيان عن مِسْعَر عن عائشة رضي الله عنها. " وكان عليه الصلاة والسلام إذا أمطرت السماء خلع ثيابه وتجرد حتى يصيبه المطر ويقول: «إنه حديث عهد بربّي» " فهذا من الرسول صلى الله عليه وسلم وممن بعده من قبيل الشوق ولذلك قال الله تبارك اسمه فيما يروى عنه: " طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشوق " وقال ابن عباس: كان الله عالماً ولكن قال { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ } رحمة لموسى، وإكراماً له بهذا القول، وتسكيناً لقلبه، ورقة عليه فقال مجيباً لربه: { هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي }. قال أبو حاتم قال عيسى: بنو تميم يقولون: «هُمْ أولَى» مقصورة مرسلة، وأهل الحجاز يقولون «أولاءِ» ممدودة. وحكى الفراء «هُمْ أَولاَيَ عَلَى أَثَرِي» وزعم أبو إسحاق الزجاج: أن هذا لا وجه له. قال النحاس: وهو كما قال لأن هذا ليس مما يضاف فيكون مثل هُدَايَ. ولا يخلو من إحدى جهتين: إما أن يكون اسماً مبهماً فإضافته محال وإما أن يكون بمعنى الذين فلا يضاف أيضاً لأن ما بعده من تمامه وهو معرفة.

السابقالتالي
2 3 4