الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلَّذِي فَطَرَنَا فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } * { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } * { وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ ٱلصَّالِحَاتِ فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلدَّرَجَاتُ ٱلْعُلَىٰ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ }

قوله تعالى: { قَالُواْ } يعني السحرة { لَن نُّؤْثِرَكَ } أي لن نختارك { عَلَىٰ مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } قال ابن عباس: يريد من اليقين والعلم. وقال عكرمة وغيره: لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة فلهذا قالوا: { لَن نُّؤْثِرَكَ }. وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب، فقيل لها: غلب موسى وهارون فقالت: آمنت برب موسى وهارون. فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة فإن مضت على قولها فألقوها عليها فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت منزلها في الجنة، فمضت على قولها فانتزع روحها، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها روح. وقيل: قال مقدّم السّحرة لمن يثق به لما رأى من عصا موسى ما رأى: انظر إلى هذه الحية هل تخوفت فتكون جنياً أو لم تتخوف فهي من صنعة الصانع الذي لا يعزب عليه مصنوع فقال: ما تخوفت فقال: آمنت برب هارون وموسى. { وَٱلَّذِي فَطَرَنَا } قيل: هو معطوف على { مَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ } أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ولا على الذي فطرنا أي خلقنا. وقيل: هو قسم أي والله لن نؤثرك. { فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } التقدير ما أنت قاضيه. وليست «ما» هاهنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر لأن تلك توصل بالأفعال، وهذه موصولة بابتداء وخبر. قال ابن عباس: فاصنع ما أنت صانع. وقيل: فاحكم ما أنت حاكم أي من القَطْع والصَّلْب. وحذفت الياء من قاض في الوصل لسكونها وسكون التنوين. واختار سيبويه إثباتها في الوقف لأنه قد زالت علة التقاء الساكنين. { إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَآ } أي إنما ينفذ أمرك فيها. وهي منصوبة على الظرف، والمعنى: إنما تقضي في متاع هذه الحياة الدنيا. أو وقت هذه الحياة الدنيا، فتقدر حذف المفعول. ويجوز أن يكون التقدير: إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا، فتنتصب انتصاب المفعول و«ما» كافة لإنّ. وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل «ما» بمعنى الذي وتحذف الهاء من تقضي ورفعت «هذه الحياة الدنيا». { إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا } أي صدقنا بالله وحده لا شريك له وما جاءنا به موسى { لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا } يريدون الشِّرْك الذي كانوا عليه. { وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ } «ما» في موضع نصب معطوفة على الخطايا. وقيل: لا موضع لها وهي نافية أي ليغفر لنا خطايانا من السّحر وما أكرهتنا عليه. النحاس: والأول أولى. المهدوي: وفيه بعدٌ لقولهم:أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } [الشعراء: 41] وليس هذا بقول مُكْرَهين ولأن الإكراه ليس بذنب، وإن كان يجوز أن يكونوا أكرهوا على تعليمه صغاراً. قال الحسن: كانوا يعلَّمون السحر أطفالاً ثم عملوه مختارين بعد. ويجوز أن تكون «ما» في موضع رفع بالابتداء ويضمر الخبر، والتقدير: وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنَّا.

السابقالتالي
2