الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } * { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } * { قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } * { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوۤاْ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } * { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } * { قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ }

قوله تعالى: { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ } يريد السحرة. { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ } عصاك من يدك { وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } تأدبوا مع موسى فكان ذلك سبب إيمانهم. { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ } في الكلام حذف، أي فألقوا دل عليه المعنى. وقرأ الحسن «وَعُصِيُّهُمْ» بضم العين. قال هارون القارىء: لغة بني تميم «وعُصِيُّهُمْ» وبها يأخذ الحسن. الباقون بالكسر اتباعاً لكسرة الصاد. ونحوه دُلِيّ ودِلِيّ وقُسي وقِسي. { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }. وقرأ ابن عباس وأبو حيوة وابن ذكوان وروح عن يعقوب «تُخَيَّلُ» بالتاء وردّوه إلى العصيّ والحبال إذ هي مؤنثة. وذلك أنهم لطخوا العصيّ بالزئبق، فلما أصابها حرّ الشمس ارتهشت واهتزّت. قال الكلبي: خُيّل إلى موسى أن الأرض حيّات وأنها تسعى على بطنها. وقرىء «تَخَيِّلُ» بمعنى تتخيل وطريقه طريق «تُخَيَّلُ» ومن قرأ «يُخَيَّلُ» بالياء رده إلى الكيد. وقرىء «نُخَيِّل» بالنون على أن الله هو المخيِّل للمحنة والابتلاء. وقيل: الفاعل «أَنَّهَا تَسْعَى» فـ«ـأنّ» في موضع رفع أي يخيّل إليه سعيها قاله الزجاج. وزعم الفراء أن موضعها موضع نصب أي بأنها ثم حذف الباء. والمعنى في الوجه الأوّل: تشبّه إليه من سحرهم وكيدهم حتى ظن أنها تسعى. وقال الزجاج: ومن قرأ بالتاء جعل «أنّ» في موضع نصب أي تَخيّل إليه ذاتَ سعي. قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع بدلاً من الضمير في «تخيّل» وهو عائد على الحبال والعصيّ، والبدل فيه بدل اشتمال. و«تسعى» معناه تمشي. قوله تعالى: { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } أي أضمر. وقيل: وجد. وقيل: أحسّ. أي من الحيات وذلك على ما يعرض من طباع البشر على ما تقدم. وقيل: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه. وقيل: خاف حين أبطأ عليه الوحي بإلقاء العصا أن يفترق الناس قبل ذلك فيفتتنوا. وقال بعض أهل الحقائق: إنما كان السبب أن موسى عليه السلام لما التقى بالسحرة وقال لهم:وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } [طه: 61] التفت فإذا جبريل على يمينه فقال له يا موسى تَرفَّق بأولياء الله. فقال موسى: يا جبريل هؤلاء سحرة جاؤوا بسحر عظيم ليبطلوا المعجزة، وينصروا دين فرعون، ويردّوا دين الله، تقول: تَرفَّق بأولياء الله! فقال جبريل: هم من الساعة إلى صلاة العصر عندك، وبعد صلاة العصر في الجنة. فلما قال له ذلك، أُوجس في نفس موسى، وخَطَر أن ما يُدريني ما عِلْم الله فيّ، فلعلّي أكون الآن في حالة، وعِلْم الله فيّ على خلافها كما كان هؤلاء. فلمّا علم الله ما في قلبه أوحى الله إليه { لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } أي الغالب لهم في الدنيا، وفي الدرجات العلا في الجنة للنبوّة والاصطفاء الذي آتاك الله به.

السابقالتالي
2