الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } * { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } * { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } * { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } * { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ }

قوله تعالى: { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا } أي المعجزات الدالة على نبوّة موسى. وقيل: حجج الله الدالة على توحيده. { فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } أي لم يؤمن. وهذا يدل على أنه كفر عِناداً، لأنه رأى الآيات عِياناً لا خبراً. نظيرهوَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [النمل: 14]. قوله تعالى: { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } لما رأى الآيات التي أتاه بها موسى قال: إنها سحر والمعنى: جئت لتوهم الناس أنك جئت بآية توجب اتباعك والإيمان بك، حتى تغلب على أرضنا وعلينا. { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ } أي لنعارضنك بمثل ما جئت به ليتبين للناس أن ما أتيت به ليس من عند الله. { فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً } هو مصدر أي وعداً. وقيل: الموعد اسم لمكان الوعد كما قال تعالى:وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 43] فالموعد هاهنا مكان. وقيل: الموعد اسم لزمان الوعد كقوله تعالى:إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } [هود: 81] فالمعنى: اجعل لنا يوماً معلوماً، أو مكاناً معروفاً. قال القشيري: والأظهر أنه مصدر ولهذا قال: { لاَّ نُخْلِفُهُ } أي لا نخلف ذلك الوعد، والإخلاف أن يعد شيئاً ولا ينجزه. وقال الجوهري: والميعاد المواعدة والوقت والموضع وكذلك المَوْعِد. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج «لاَ نُخْلِفْهُ» بالجزم جواباً لقوله «اجْعَلْ». ومن رفع فهو نعت لـ«ـموعد» والتقدير. موعداً غير مخلف. { مَكَاناً سُوًى } قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة «سُوًى» بضم السين. الباقون بكسرها وهما لغتان مثل عُداً وعِداً وطُوًى وطِوًى. واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السين لأنها اللغة العالية الفصيحة. وقال النحاس: والكسر أعرف وأشهر. وكلهم نوّنوا الواو، وقد روي عن الحسن، واختلف عنه ضم السين بغير تنوين. واختلف في معناه فقيل: سوى هذا المكان قاله الكلبي. وقيل: مكاناً مستوياً يتبيّن للناس ما بينّاه فيه قاله ابن زيد. ابن عباس: نصفاً. مجاهد: منصفاً وعنه أيضاً وقتادة عَدلاً بيننا وبينك. وقال النحاس: وأهل التفسير على أن معنى «سُوًى» نَصَف وعَدْل وهو قول حسن قال سيبويه يقال: سِوى وسُوًى أي عَدْل يعني مكاناً عَدْلاً بين المكانين فيه النَّصَفة وأصله من قولك: جلس في سَواء الدار بالمدّ أي في وسطها ووسط كل شيء أعدله وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلموَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [البقرة: 143] أي عدلاً، وقال زهير:
أَرُونَا خُطَّةً لا ضَيْمَ فِيها   يُسَوِّي بيننا فيها السَّوَاءُ
وقال أبو عبيدة والقتبي: وسطا بين الفريقين وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي:
وإنَّ أبانا كان حَلّ ببلدةٍ   سِوًى بين قيسٍ قيسِ عَيْلاَنَ والفِزْرِ
والفِزْر: سعد بن زيد مَناة بن تميم. وقال الأخفش: «سِوًى» إذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات: إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعاً.

السابقالتالي
2 3