الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } * { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ }

قوله تعال { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مِهَاداً } «الذي» في موضع نعت «لربي» أي لا يضل ربي الذي جعل. ويجوز أن يكون خبر ابتداء مضمر أي هو «الذي». ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار أعني. وقرأ الكوفيون «مَهْداً» هنا وفي «الزخرف» بفتح الميم وإسكان الهاء. الباقون «مِهَاداً» واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لاتفاقهم على قراءة «أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً». النحاس: والجمع أولى لأن «مهدا» مصدر وليس هذا موضع مصدر إلا على حذف أي ذات مهد. المهدويّ: ومن قرأ «مَهْداً» جاز أن يكون مصدراً كالفَرْش أي مَهَد لكم الأرض مَهْداً وجاز أن يكون على تقدير حذف المضاف أي ذات مهد. ومن قرأ «مِهَاداً» جاز أن يكون مفرداً كالفراش. وجاز أن يكون جمع «مهدٍ» استعمل استعمال الأسماء فكسّر. ومعنى «مِهَاداً» أي فراشاً وقراراً تستقرّون عليها. { وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي طرقاً. نظيره:وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً * لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } [نوح: 19 ـ 20]. وقال تعالى:ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مِهَاداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [الزخرف: 10]. { وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } تقدم معناه. وهذا آخر كلام موسى، ثم قال الله تعالى: { فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ }. وقيل: كله من كلام موسى والمعنى «فأخرجنا به» أي بالحرث والمعالجة لأن الماء المنزل سبب خروج النبات. ومعنى { أَزْوَاجاً } ضروباً وأشباهاً، أي أصنافاً من النبات المختلفة الأزواج والألوان. وقال الأخفش: التقدير أزواجاً شتى من نبات. قال: وقد يكون النبات شتى فـ«ـشتى» يجوز أن يكون نعتاً لأزواج، ويجوز أن يكون نعتاً للنبات. و«شَتّى» مأخوذ من شتَّ الشيءُ أي تفرق. يقال: أمر شَتٌّ أي متفرّق. وشَتَّ الأمرُ شتًّا وشَتاتاً تفرق واشتتَّ مثله. وكذلك التَّشتت. وشَتَّته تَشْتِيتاً فرّقه. وأَشتَّ بي قومي أي فرّقوا أمري. والشَّتيت المتفرّق. قال رُؤبة يصف إبلاً:
جَاءتْ مَعاً وَاطَّرَقتْ شَتِيتَا   وهي تُثيرُ السَّاطِعَ السِّخْتِيتَا
وثَغْر شَتيتٌ أي مُفلَّج. وقوم شَتَّى، وأشياء شتَّى، وتقول: جاءوا أشتاتاً أي متفرقين واحدهم شتٌّ قاله الجوهري. قوله تعالى: { كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } أمر إباحة. { وَٱرْعَوْا } من رعت الماشية الكلأ، ورعاها صاحبها رعاية أي أسامها وسرحها لازم ومتعد { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } أي العقول. الواحدة نُهْية. قال لهم ذلك لأنهم الذين يُنْتهى إلى رأيهم. وقيل: لأنهم ينهون النفس عن القبائح. وهذا كله من موسى احتجاج على فرعون في إثبات الصانع جواباً لقوله: { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ }. وبين أنه إنما يستدل على الصانع اليوم بأفعاله. قوله تعالى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } يعني آدم عليه السلام لأنه خلق من الأرض قاله أبو إسحاق الزجاج وغيره. وقيل: كل نطفة مخلوقة من التراب على هذا يدل ظاهر القرآن. وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2