الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } * { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } * { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } * { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } * { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي }

قوله تعالى: { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } لما سأله شرح الصدر، وتيسير الأمر إلى ما ذكر، أجاب سؤله، وأتاه طِلْبته ومرغوبه. والسؤل الطِّلْبة فُعْل بمعنى مفعول، كقولك خُبز بمعنى مخبوز وأُكل بمعنى مأكول. وقوله تعالى: { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } أي قبل هذه، وهي حفظه سبحانه له من شر الأعداء في الابتداء وذلك حين الذبح. والله أعلم. والمنّ الإحسان والإفضال. وقوله: { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } قيل: «أوحينا» ألهمنا. وقيل: أوحي إليها في النوم. وقال ابن عباس رضي الله عنه: أوحي إليها كما أوحي إلى النبيين. { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ } قال مقاتل: مؤمن آل فرعون هو الذي صنع التابوت ونَجَره وكان اسمه حِزْقيل. وكان التابوت من جُمَّيز. { فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } أي اطرحيه في البحر: نهر النيل. { فَلْيُلْقِهِ } قال الفراء: { فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } أمر وفيه معنى المجازاة. أي اقذفيه يلقه اليمُّ. وكذا قوله:ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } [العنكبوت: 12]. { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } يعني فرعون فاتخذت تابوتاً، وجعلت فيه نطعاً، ووضعت فيه موسى، وقَيَّرت رأسه وخِصَاصه ـ يعني شقوقه ـ ثم ألقته في النيل، وكان يَشْرَع منه نهر كبير في دار فرعون، فساقه الله في ذلك النهر إلى دار فرعون. وروي أنها جعلت في التابوت قطناً محلوجاً، فوضعته فيه وقَيَّرته وجَصَّصته، ثم ألقته في اليمّ. وكان يَشْرَع منه إلى بستان فرعون نهر كبير، فبينا هو جالس على رأس بِركة مع آسية، إذا بالتابوت، فأمر به فأخرج، ففتح فإذا صبيّ أصبح الناس، فأحبه عدوّ الله حبًّا شديداً لا يتمالك أن يصبر عنه. وظاهر القرآن يدل على أن البحر ألقاه بساحله وهو شاطئه، فرأى فرعون التابوت بالساحل فأمر بأخذه. ويحتمل أن يكون إلقاء اليمّ بموضع من الساحل، فيه فُوَّهة نهر فرعون، ثم أدّاه النهر إلى حيث البِركة. والله أعلم. وقيل: وجدته ابنة فرعون وكان بها برص، فلما فتحت التابوت شفيت. وروي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه، وعالجوا كسره فأعياهم، فدنت آسِية فرأت في جوف التابوت نوراً فعالجته ففتحته، فإذا صبيّ نوره بين عينيه، وهو يمصّ إبهامه لبناً فأحبّوه. وكانت لفرعون بنت برصاء، وقال له الأطباء: لا تبرأ إلا من قبل البحر، يوجد فيه شبه إنسان دواؤها رِيقه فلطخت البرصاء برصها بريقه فبرئت. وقيل: لما نظرت إلى وجهه برئت. والله أعلم. وقيل: وجدته جوارٍ لامرأة فرعون، فلما نظر إليه فرعون فرأى صبياً من أصبح الناس وجهاً، فأحبه فرعون فذلك قوله تعالى: { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } قال ابن عباس: أحبه الله وحَبَّبه إلى خلقه. وقال ابن عطية: جعل عليه مَسْحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه.

السابقالتالي
2 3