الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } * { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } * { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } * { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } * { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي } * { هَارُونَ أَخِي } * { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } * { وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي } * { كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً } * { وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً } * { إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }

قوله تعالى: { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } لما آنسه بالعصا واليد، وأراه ما يدل على أنه رسول، أمره بالذهاب إلى فرعون، وأن يدعوه. «طغى» معناه عصى وتكبر وكفر وتجبر وجاوز الحد. { قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي * وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي * وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي } طلب الإعانة لتبليغ الرسالة. ويقال: إن الله أعلمه بأنه ربط على قلب فرعون وأنه لا يؤمن فقال موسى: يا رب فكيف تأمرني أن آتيه وقد ربطت على قلبه فأتاه ملك من خزان الريح فقال: يا موسى انطلق إلى ما أمرك الله به. فقال موسى عند ذلك: { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } أي وسِّعه ونوّره بالإيمان والنبوّة. { وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي } أي سهّل عليّ ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون. { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي } يعني العجمة التي كانت فيه من جمرة النار التي أطفأها في فِيهِ وهو طفل. قال ابن عباس: كانت في لسانه رُتَّة. وذلك أنه كان في حجر فرعون ذات يوم وهو طفل فلطمه لطمة، وأخذ بلحيته فنتفها فقال فرعون لآسية: هذا عدوّي فهات الذبّاحين. فقالت آسية: على رِسْلك فإنه صبيّ لا يفرق بين الأشياء. ثم أتت بطَسْتين فجعلت في أحدهما جمراً وفي الآخر جوهراً، فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار حتى رفع جمرة ووضعها في فيه على لسانه، فكانت تلك الرتّة. وروي أن يده احترقت وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم تبرأ. ولما دعاه قال: إلى أيّ ربٍّ تدعوني؟ قال: إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها. وعن بعضهم: إنما لم تبرأ يده لئلا يدخلها مع فرعون في قَصْعة واحدة فتنعقد بينهما حرمة المؤاكلة. ثم اختلف هل زالت تلك الرتّة فقيل: زالت بدليل قوله: { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ }. وقيل: لم تزل كلها بدليل قوله حكاية عن فرعون:وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف: 52]. ولأنه لم يقل احلل كل لساني، فدل على أنه بقي في لسانه شيء من الاستمساك. وقيل: زالت بالكلية بدليل قوله: «أُوتِيتَ سُوْلَكَ» وإنما قال فرعون:وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } [الزخرف: 52] لأنه عرف منه تلك العقدة في التربية، وما ثبت عنده أن الآفة زالت. قلت: وهذا فيه نظر لأنه لو كان ذلك لما قال فرعون: { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } حين كلمه موسى بلسان ذَلِق فصيح. والله أعلم. وقيل: إن تلك العقدة حدثت بلسانه عند مناجاة ربه، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه. { يَفْقَهُواْ قَوْلِي } أي يعلموا ما أقوله لهم ويفهموه. والفقه في كلام العرب الفهم. قال أعرابي لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه.

السابقالتالي
2 3