الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ }

فيه خمس مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ } قيل: كان هذا الخطاب من الله تعالى لموسى وحيا لأنه قال: { فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } ولا بد للنبي في نفسه من معجزة يعلم بها صحة نبوّة نفسه، فأراه في العصا وفي نفسه ما أراه لذلك. ويجوز أن يكون ما أراه في الشجرة آية كافية له في نفسه، ثم تكون اليد والعصا زيادة توكيد، وبرهاناً يلقى به قومه. واختلف في «ما» في قوله: «وَمَا تِلْكَ» فقال الزجاج والفراء: هي اسم ناقص وصلت بـ«ـيمينك» أي ما التي بيمينك؟ وقال الفرّاء أيضاً: «تلك» بمعنى هذه ولو قال: ما ذلك لجاز أي ما ذلك الشيء: ومقصود السؤال تقرير الأمر حتى يقول موسى: هي عصاي لتثبت الحجّة عليه بعدما اعترف، وإلاّ فقد علم الله ما هي في الأزل. وقال ابن الجوهري: وفي بعض الآثار أن الله تعالى عتب على موسى إضافة العصا إلى نفسه في ذلك الموطن فقيل له: ألقها لترى منها العجب فتعلم أنه لا مِلك لك عليها ولا تنضاف إليك. وقرأ ابن أبي إسحاق «عَصَيَّ» على لغة هُذيل ومثله «يا بُشْرَيَّ» و«مَحْيَيَّ» وقد تقدّم. وقرأ الحسن «عَصَاي» بكسر الياء لالتقاء الساكنين. ومثل هذا قراءة حمزة:وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } [إبراهيم: 22]. وعن ابن أبي إسحاق سكون الياء. الثانية: في هذه الآية دليل على جواب السؤال بأكثر مما سئل لأنه لما قال: { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ } ذكر معاني أربعة: وهي: إضافة العصا إليه، وكان حقه أن يقول عصا والتوكؤ والهش، والمآرب المطلقة. فذكر موسى من منافع عصاه عُظْمها وجمهورها وأجمل سائر ذلك. وفي الحديث " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: «هو الطَّهورُ ماؤه الحلُّ مَيتته» ". " وسألته امرأة عن الصغير حين رفعته إليه فقالت: ألهذا حج؟ قال: «نعم ولك أجر» " ومثله في الحديث كثير. الثالثة: قوله تعالى: { أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا } أي أتحامل عليها في المشي والوقوف ومنه الاتكاء. { وَأَهُشُّ بِهَا } «وَأَهِشُّ» أيضاً ذكره النحاس. وهي قراءة النَّخَعي، أي أخبط بها الورق، أي أضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها، فيسهل على غنمي تناوله فتأكله. قال الراجز:
أَهُشُّ بالعَصَا على أَغْنامِي   من ناعِم الأَراكِ والبَشامِ
يقال: هَشَّ على غنمه يَهُشُّ بضم الهاء في المستقبل. وهشَّ إلى الرجل يَهَش بالفتح. وكذلك هشّ للمعروف يَهَشّ وهشِشت أنا: وفي حديث عمر: هشِشْت يوماً فقبَّلت وأنا صائم. قال شِمْر: أي فرحتِ واشتهيت. قال: ويجوز هَاشَ بمعنى هَشَّ. قال الراعي:
فكبَّرَ للروْيَا وهَاشَ فؤادُهُ   وبَشَّرَ نفساً كان قبل يَلُومَها
أي طَرب. والأصل في الكلمة الرخاوة. يقال: رجل هَشٌّ وزوج هَشٌّ. وقرأ عكرمة «وأَهُسُّ» بالسين غير معجمة قيل: هما لغتان بمعنى واحد.

السابقالتالي
2 3