الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ }

قوله تعالى: { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ } وقد تقدّم معناه في «الحجر». { أزْوَاجاً } مفعول بـ«ـمتعنا». و { زَهْرَةَ } نصب على الحال. وقال الزجاج: «زهرة» منصوبة بمعنى «متعنا» لأن معناه جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة أو بفعل مضمر وهو «جعلنا» أي جعلنا لهم زهرة الحياة الدنيا عن الزجاج أيضا. وقيل: هي بدل من الهاء في «به» على الموضع، كما تقول: مررت به أخاك. وأشار الفراء إلى نصبه على الحال والعامل فيه «مَتَّعْنَا» قال: كما تقول مررت به المسكين وقدره: متعناهم به زهرةَ في الحياة الدنيا وزينة فيها. ويجوز أن ينتصب على المصدر مثلصُنْعَ ٱللَّهِ } [النمل: 88] ووَعْدَ ٱللَّهِ } [الروم: 6] وفيه نظر. والأحسن أن ينتصب على الحال ويحذف التنوين لسكونه وسكون اللام من الحياة كما قرىء «وَلاَ اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارَ» بنصب النهار بسابق على تقدير حذف التنوين لسكونه وسكون اللام، وتكون «الحياة» مخفوضة على البدل من «ما» في قوله: { إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ } فيكون التقدير: ولا تمدنّ عينيك إلى الحياة الدنيا زهرةً أي في حال زهرتها. ولا يحسن أن يكون «زهرة» بدلاً من «ما» على الموضع في قوله: «إلى ما متعنا» لأن { لِنَفْتِنَهُمْ } متعلق بـ«ـمتعنا» و { زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يعني زينتها بالنبات. والزَّهَرة، بالفتح في الزاي والهاء نَوْر النبات. والزُّهَرة بضم الزاي وفتح الهاء النجم. وبنو زُهْرة بسكون الهاء قاله ابن عزيز. وقرأ عيسى بن عمر «زَهَرَةَ» بفتح الهاء مثل نَهْر ونَهَر. ويقال: سراج زاهر أي له بريق. وزهر الأشجار ما يروق من ألوانها. وفي الحديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون أي نير اللون يقال لكل شيء مستنير: زاهر، وهو أحسن الألوان. { لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنبتليهم. وقيل: لنجعل ذلك فتنة لهم وضلالاً. ومعنى الآية: لا تجعل يا محمد لزهرة الدنيا وزناً، فإنه لا بقاء لها. «وَلاَ تَمُدَّنَّ» أبلغ من لا تنظرنّ، لأن الذي يمدّ بصره، إنما يحمله على ذلك حرص مقترن، والذي ينظر قد لا يكون ذلك معه. مسألة: قال بعض الناس: سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نزل ضيف برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلني عليه السلام إلى رجل من اليهود، وقال: قل له يقول لك محمد: " نزل بنا ضيف ولم يُلْفَ عندنا بعضُ الذي يصلحه فبعني كذا وكذا من الدقيق، أو أسلفني إلى هلال رجب فقال: لا، إلا برهن. قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: «والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأدّيت إليه اذهب بدِرْعي إليه» "

السابقالتالي
2