قوله تعالى: { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } قال أهل المعاني: هو استفهام إثبات وإيجاب معناه أليس قد أتاك؟ وقيل: معناه وقد أتاك قاله ابن عباس. وقال الكلبي: لم يكن أتاه حديثه بعد ثم أخبره. { إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى } قال ابن عباس وغيره: هذا حين قضى الأجل وسار بأهله وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلاً غيوراً، يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته فأخطأ الرفقة ـ لما سبق في علم الله تعالى ـ وكانت ليلة مظلمة. وقال مقاتل: وكانت ليلة الجمعة في الشتاء. وهب بن منبه: استأذن موسى شعيباً في الرجوع إلى والدته فأذن له فخرج بأهله وغنمه، وولد له في الطريق غلام في ليلة شاتيةٍ باردةٍ مثلجةٍ، وقد حاد عن الطريق وتفرقت ماشيته، فقدح موسى النار فلم تورِ المِقْدَحة شيئاً، إذ بصر بنار من بعيد على يسار الطريق { فَقَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ } أي أقيموا بمكانكم { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } أي أبصرت. قال ابن عباس: فلما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عنابٍ، فوقف متعجباً من حسن ذلك الضوء، وشدة خضرة تلك الشجرة، فلا شدة حر النار تغير حسن خضرة الشجرة، ولا كثرة ماء الشجرة ولا نعمة الخضرة تغيران حسن ضوء النار. وذكر المهدوي: فرأى النار ـ فيما روي ـ وهي في شجرة من العُلَّيق، فقصدها فتأخرت عنه، فرجع وأوجس في نفسه خيفة، ثم دنت منه وكلمه الله عز وجل من الشجرة. الماوردي: كانت عند موسى ناراً، وكانت عند الله تعالى نوراً. وقرأ حمزة «لأَهْلِهُ امْكُثُوا» بضم الهاء، وكذا في «القصص». قال النحاس وهذا على لغة من قال: مررت بِهُو يا رجل فجاء به على الأصل، وهو جائز إلا أن حمزة خالف أصله في هذين الموضعين خاصة. وقال: «امكثوا» ولم يقل أقيموا، لأن الإقامة تقتضي الدوام، والمكث ليس كذلك. «وآنست» أبصرت، قاله ابن الأعرابي. ومنه قوله:{ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [النساء: 6] أي علمتم. وآنست الصوت سمعته، والقبس شعلة من نار، وكذلك المِقباس. يقال: قبَستُ منه ناراً أقبِس قَبْساً فأقبسني أي أعطاني منه قَبساً، وكذلك اقتبست منه ناراً، واقتبست منه علماً أيضاً أي استفدته، قال اليزيدي: أَقبستُ الرجل علماً وقَبَسته ناراً فإن كنت طلبتها له قلت أقبسته. وقال الكسائي: أقبسته ناراً أو علماً سواء. وقبسته أيضاً فيهما. «هُدًى» أي هادياً. قوله تعالى: { فَلَمَّآ أَتَاهَا } يعني النار { نُودِيَ } أي من الشجرة كما في سورة «القصص» أي من جهتها وناحيتها على ما يأتي { يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ }.