الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } * { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً } * { لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } * { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } * { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }

قوله تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } أي عن حال الجبال يوم القيامة. { فَقُلْ } فقد جاء هذا بفاء وكل سؤال في القرآن «قل» بغير فاء إلا هذا، لأن المعنى إن سألوك عن الجبال فقل، فتضمن الكلام معنى الشرط. وقد علم الله أنهم يسألونه عنها، فأجابهم قبل السؤال، وتلك أسئلة تقدمت سألوا عنها النبي صلى الله عليه وسلم فجاء الجواب عقب السؤال فلذلك كان بغير فاء، وهذا سؤال لم يسألوه عنه بعد فتفهَّمه. { يَنسِفُهَا } يطيرها. { نَسْفاً } قال ابن الأعرابي وغيره: يقلعها قلعا من أصولها، ثم يصيرها رملاً يسيل سيلاً، ثم يصيرها كالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا. قال: ولا يكون العهن من الصوف إلا المصبوغ، ثم كالهباء المنثور. { فَيَذَرُهَا } أي يذر مواضعها { قَاعاً صَفْصَفاً } القاع الأرض الملساء بلا نبات ولا بناء قاله ابن الأعرابي. وقال الجوهري: والقاع المستوي من الأرض والجمع أَقوعٌ وأَقواعٌ وقِيعانٌ صارت الواو ياء لكسر ما قبلها. وقال الفراء: القاع مستنقع الماء والصفصف القرعاء. الكلبي: هو الذي لا نبات فيه. وقيل: المستوي من الأرض كأنه على صفّ واحد في استوائه قاله مجاهد. والمعنى واحد في القاع والصفصف فالقاع الموضع المنكشف، والصفصف المستوي الأملس. وأنشد سيبويه:
وكَمْ دُونَ بيتكَ من صَفْصَفٍ   ودَكْدَاكِ رَمْلٍ وأَعْقَادِهَا
و«قاعا» نصب على الحال والصفصف. و { لاَّ تَرَىٰ } في موضع الصفة. { فِيهَا عِوَجاً } قال ابن الأعرابي: العِوج التّعوج في الفِجاج. والأَمْت النَّبَك. وقال أبو عمرو: الأَمْت النِّبَاك وهي التلال الصغار واحدها نَبَك أي هي أرض مستوية لا انخفاض فيها ولا ارتفاع. تقول امتلأ فما به أَمْت، وملأتُ القربة مَلأً لا أمت فيه أي لا استرخاء فيه. والأمت في اللغة المكان المرتفع. وقال ابن عباس: «عِوَجاً» مَيْلاً. قال: والأمت الأثر مثل الشراك. وعنه أيضاً «عِوَجاً»، وادياً «وَلاَ أَمْتاً» رابية. وعنه أيضاً: العوج الانخفاض والأمت الارتفاع. وقال قتادة: «عِوَجاً» صدعاً «وَلاَ أَمْتاً» أي أكمة. وقال يمان: الأمت الشقوق في الأرض. وقيل: الأمت أن يغلظ مكان في الفضاء أو الجبل ويدق في مكان حكاه الصولي. قلت: وهذه الآية تدخل في باب الرُّقَى ترقى بها الثآليل وهي التي تسمى عندنا بالبراريق واحدها برُّوقة تطلع في الجسد وخاصة في اليد: تأخذ ثلاثة أعواد من تبن الشعير، يكون في طرف كل عود عقدة، تُمرّ كل عُقدة على الثآليل وتقرأ الآية مرة، ثم تدفن الأعواد في مكان نديّ تعفّن وتعفّن الثآليل فلا يبقى لها أثر جرّبت ذلك في نفسي وفي غيري فوجدته نافعاً إن شاء الله تعالى. قوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ } يريد إسرافيل عليه السلام إذا نفخ في الصور { لاَ عِوَجَ لَهُ } أي لا معدل لهم عنه أي عن دعائه لا يزيغون ولا ينحرفون بل يسرعون إليه ولا يحيدون عنه.

السابقالتالي
2