الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }

فيه سبع مسائل: الأولى: روى ٱبن جُريج عن مجاهد قال: نزلت أربع آيات من سورة البقرة في المؤمنين، وٱثنتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين. وروى أسباط عن السدّي في قوله: «ومِنَ النَّاسِ» قال: هم المنافقون. وقال علماء الصوفية: الناس ٱسم جنس، وٱسم الجنس لا يخاطب به الأولياء. الثانية: وٱختلف النحاة في لفظ الناس فقيل: هو ٱسم من أسماء الجموع، جمع إنسان وإنسانة على غير اللفظ، وتصغيره نُوَيس. فالناس من النَّوْس وهو الحركة يقال: ناس ينوس أي تحرّك ومنه حديث أم زَرْع: «أَنَاسَ من حُلِيٍّ أُذُنَيّ». وقيل: أصله من نسى فأصل ناس نسي قلب فصار نيس تحركت الياء فانفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً، ثم دخلت الألف واللام فقيل: الناس. قال ٱبن عباس: نسي آدم عهد الله فسُمِّيَ إنساناً. وقال عليه السلام: " نسي آدم فنسِيَتْ ذريّتُه " وفي التنزيل:وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [طه:115] وسيأتي. وعلى هذا فالهمزة زائدة قال الشاعر:
لا تَنْسَيْن تلك العُهودَ فإنَّما   سُمِّيتَ إنساناً لأنّك ناسِي
وقال آخر:
فإنْ نَسِيتَ عهوداً منك سالفةً   فٱغفرْ فأوّلُ ناسٍ أوّلُ الناس
وقيل: سمي إنساناً لأِنْسه بحواء. وقيل: لأِنْسه بربه، فالهمزة أصلية قال الشاعر:
وما سُمِّيَ الإنسانُ إلاّ لأِنْسِهِ   ولا الْقلبُ إلاّ أَنَّه يَتَقَلَّبُ
الثالثة: لما ذكر الله جلّ وتعالى المؤمنين أوّلا، وبدأ بهم لشرفهم وفضلهم، ذكر الكافرين في مقابلتهم إذ الكفر والإيمان طرفان. ثم ذكر المنافقين بعدهم وألحقهم بالكافرين قبلهم لنفي الإيمان عنهم بقوله الحق: «وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنينَ». ففي هذا ردّ على الكَرَّامِيّة حيث قالوا: إن الإيمان قول باللسان وإن لم يعتقد بالقلب وٱحتجوا بقوله تعالى:فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ } [المائدة:85] ولم يقل: بما قالوا وأضمروا وبقوله عليه السلام: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إلٰه إلا الله فإذا قالوها عَصَمُوا منّي دماءهم وأموالهم " وهذا منهم قصور وجمود، وترْكُ نظرٍ لما نطق به القرآن والسنة من العمل مع القول والاعتقاد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان معرفةٌ بالقلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالأركان " أخرجه ٱبن ماجة في سُنَنه، فما ذهب إليه محمد بن كَرّام السّجستاني وأصحابه هو النفاق وعَيْن الشقاق ونعوذ بالله من الخذلان وسوء الاعتقاد. الرابعة: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: المؤمن ضربان: مؤمن يحبه الله ويواليه، ومؤمن لا يحبه الله ولا يواليه، بل يبغضه ويعاديه فكلّ مَن علم الله أنه يوافي بالإيمان، فالله محب له، موالٍ له، راضٍ عنه. وكلّ مَن علم الله أنه يوافي بالكفر، فالله مبغض له، ساخط عليه، معادٍ له، لا لأجل إيمانه، ولكن لكفره وضلاله الذي يوافي به. والكافر ضربان: كافر يُعاقَب لا محالة، وكافر لا يُعاقَب.

السابقالتالي
2 3