الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ }

قوله تعالى: { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } «ما» ٱستفهام مبتدأة، و «لونها» الخبر. ويجوز نصب لونها بـ ـيبيّن، وتكون «ما» زائدة. واللون واحد الألوان، وهو هيئة كالسواد والبياض والحمرة. واللَّوْن: النَّوع. وفلان مُتَلَوِّن: إذا كان لا يثبت على خلق واحد وحال واحد قال:
كلّ يوم تتلوّنْ   غير هذا بك أجْمَلْ
ولَوّن البُسْرُ تلويناً: إذا بدا فيه أثر النُّضْج. واللّوْن: الدَّقَل، وهو ضرب من النخل. قال الأخفش: هو جماعة، واحدها لِينة. قوله: { صَفْرَآءُ } جمهور المفسرين أنها صفراء اللون، من الصُّفرة المعروفة. قال مكيّ عن بعضهم: حتى القَرْن والظِّلْف. وقال الحسن وٱبن جُبير: كانت صفراء القرن والظِّلْف فقط. وعن الحسن أيضاً: «صفراء» معناه سوداء قال الشاعر:
تلك خَيْلِي منه وتلك رِكابِي   هنّ صُفْرٌ أولادُها كالزَّبِيبِ
قلت: والأوّل أصح لأنه الظاهر وهذا شاذّ لا يُستعمل مجازاً إلا في الإبل قال الله تعالى:كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ } [المرسلات: 33] وذلك أن السُّود من الإبل سوادها صُفرة. ولو أراد السواد لما أكّده بالفُقُوع، وذلك نَعْتٌ مختصّ بالصّفرة، وليس بوصف السواد بذلك تقول العرب: أسودُ حالِكٌ وحَلَكُوك وحُلْكُوك، ودَجُوجِيّ وغِرْبيب، وأحمرُ قانىء، وأبيضُ ناصعٌ، ولَهِقٌ ولِهَاق ويَقِق، وأخضرُ ناضرٌ، وأصفرُ فاقِعٌ هكذا نصَّ نَقَلة اللغة عن العرب. قال الكسائي: يقال فَقَع لَوْنُهَا يَفْقَع فُقوعاً إذا خَلَصت صُفْرته. والإفقاع: سوء الحال. وفواقع الدهر بوائقه. وفَقّع بأصابعه إذا صوّت ومنه حديث ٱبن عباس: نهى عن التفقيع في الصلاة وهي الفرقعة، وهي غمز الأصابع حتى تُنْقِض. ولم ينصرف «صفراء» في معرفة ولا نكرة لأن فيها ألف التأنيث وهي ملازمة فخالفت الهاء لأن ما فيه الهاء ينصرف في النكرة كفاطمةٍ وعائشةٍ. قوله تعالى: { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } يريد خالصاً لونها لا لَوْن فيها سوى لون جلدها. { تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } قال وهب: كأن شُعَاع الشمس يخرج من جلدها ولهذا قال ٱبن عباس: الصفرة تسرّ النفس. وحضّ على لباس النِّعال الصُّفر حكاه عنه النقاش. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من لبس نعلي جلد أصفرَ قلّ هَمّه لأن الله تعالى يقول: { صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } حكاه عنه الثعلبي. ونَهَى ٱبن الزبير ومحمد بن أبي كثير عن لباس النعال السود لأنها تُهِمّ. ومعنى «تسرّ» تُعجِب. وقال أبو العالية: معناه في سَمْتِها ومنظرها فهي ذاتُ وصفين، والله أعلم.