الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ }

فيه تسع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } حُذفت الألف من «قلنا» لسكونها وسكون الدال بعدها، والألف التي يُبتدأ بها قبل الدال ألف وصل لأنه من يدخل. الثانية: قوله تعالى: { هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ } أي المدينة سُمِّيت بذلك لأنها تقرّت أي ٱجتمعت ومنه قَرَيت الماء في الحوض أي جمعته وٱسم ذلك الماء قِرًى بكسر القاف مقصور. وكذلك ما قُرِيَ به الضيف قاله الجوهري. والمِقْراة للحوض. والقَرِيّ لمسيل الماء. والقَرَا للظهر ومنه قوله:
لاحِقُ بطنٍ بِقَراً سمينِ   
والمقارِي: الجِفان الكبار قال:
عظام المقاري ضيفهم لا يُفْزَّع   
وواحد المقاري مِقراة وكله بمعنى الجمع غير مهموز. والقِرية بكسر القاف لغة اليمن. وٱختُلف في تعيينها فقال الجمهور: هي بيت المقدس. وقيل: أرِيحاء من بيت المقدس. قال عمر بن شَبّة: كانت قاعدة ومسكن ملوك. ٱبن كَيْسَان: الشام. الضحاك: الرَّمْلة والأُرْدُنّ وفلسطين وتَدْمُر. وهذه نعمة أخرى، وهي أنه أباح لهم دخول البلدة وأزال عنهم التِّيه. الثالثة: قوله تعالى: { فَكُلُواْ } إباحة. و { رَغَداً } كثيراً واسعاً وهو نعت لمصدر محذوف أي أكلاً رَغَداً. ويجوز أن يكون في موضع الحال على ما تقدّم. وكانت أرضاً مباركة عظيمة الغَلّة، فلذلك قال: «رغدا». الرابعة: قوله تعالى: { وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } الباب يُجمع أبواباً وقد قالوا: أبْوِبَة للازدواج قال الشاعر:
هتّاك أخْبيةٍ ولاّج أبوِبَة   يَخْلِط بالبِرّ منه الجِدَّ واللِّينا
ولو أفرده لم يجز. ومثله قوله عليه السلام: " مرحبا بالقوم ـ أو بالوفد ـ غير خَزَايا ولا نَدَامَى " وتبوّبت بوّابا ٱتخذته. وأبواب مبوّبة كما قالوا: أصناف مُصنّفة. وهذا شيء من بابَتِك أي يصلح لك. وقد تقدّم معنى السجود فلا معنى لإعادته. والحمد لله. والباب الذي أمِروا بدخوله هو باب في بيت المقدس يعرف اليوم بـ «ـباب حِطّة» عن مجاهد وغيره. وقيل: باب القُبّة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل. و «سجداً» قال ٱبن عباس: منحنين ركوعاً. وقيل: متواضعين خضوعاً لا على هيئة متعينة. الخامسة: قوله تعالى: { وَقُولُواْ } عطف على ٱدخلوا. و { حِطَّةٌ } بالرفع قراءة الجمهور على إضمار مبتدأ، أي مسألتنا حطة، أو يكون حكاية. قال الأخفش: وقرئت «حِطّةً» بالنصب، على معنى ٱحطط عنا ذنوبنا حِطة. قال النحاس: جاء الحديث عن ٱبن عباس أنه قيل لهم: قولوا لا إلٰه إلا الله، وفي حديث آخر عنه قيل لهم: قولوا مغفرة ـ تفسير للنصب أي قولوا شيئاً يحط ذنوبكم كما يقال: قل خيراً. والأئمة من القراء على الرفع. وهو أولى في اللغة لما حكي عن العرب في معنى بدّل، قال أحمد بن يحيى: يقال بدّلته أي غيرته ولم أزِل عينه. وأبدلته أزلت عينه وشخصه كما قال:

السابقالتالي
2 3 4 5