الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

فيه ثلاث عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } «إذ» في موضع نصب عطف على { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي }. وهذا وما بعده تذكير ببعض النعم التي كانت له عليهم أي ٱذكروا نعمتي بإنجائكم من عدوّكم وجعل الأنبياء فيكم. والخطاب للموجودين والمراد مَن سلف من الآباء كما قال:إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } [الحاقة: 11] أي حملنا آباءكم. وقيل: إنماقال «نجيناكم» لأن نجاة الآباء كانت سبباً لنجاة هؤلاء الموجودين. ومعنى «نجيناكم» ألقيناكم على نَجْوَة من الأرض، وهي ما ٱرتفع منها. هذا هو الأصل ثم سُمِّيَ كل فائز ناجياً. فالنّاجي مَن خرج من ضيق إلى سَعة. وقرىء: «وإذ نَجّيْتُكم» على التوحيد. الثانية: قوله تعالى: { مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ } «آل فرعون» قومه وأتباعه وأهل دينه. وكذلك آل الرسول صلى الله عليه وسلم من هو على دينه وملّته في عصره وسائر الأعصار سواء كان نسيباً له أو لم يكن. ومن لم يكن على دينه وملّته فليس من آله ولا أهله، وإن كان نسيبَه وقريبَه. خلافاً للرافضة حيث قالت: إن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة والحسن والحسين فقط. دليلنا قوله تعالى:وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } [البقرة: 50]أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 46] أي آل دينه إذ لم يكن له ٱبن ولا بنت ولا أب ولا عمّ ولا أَخٌ ولا عَصَبة. ولأنه لا خلاف أن من ليس بمؤمن ولا مُوَحّد فإنه ليس من آل محمد وإن كان قريباً له ولأجل هذا يقال: إن أبا لهب وأبا جهل ليسا آله ولا من أهله وإن كان بينهما وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم قرابة ولأجل هذا قال الله تعالى في ٱبن نوح:إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [هود: 46]. وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جِهَاراً غيرَ سِرّ يقول: " ألا إنّ آلَ أبي ـ يعني فلاناً ـ ليسوا لي بأولياء إنما وَلِيِّيَ اللّهُ وصالحُ المؤمنين " وقالت طائفة: آل محمد أزواجُه وذريَّتُه خاصة لحديث أبي حُميد السّاعدي أنهم قالوا: " يا رسول الله كيف نصلّي عليك؟ قال: «قولوا اللَّهُمّ صلّ على محمد وعلى أزواجه وذُرّيته كما صلّيت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذُرّيته كما باركتَ على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» " رواه مسلم. وقالت طائفة من أهل العلم: الأهل معلوم، والآل: الأتباع. والأوّل أصح لما ذكرناه ولحديث عبد اللَّه بن أبِي أَوْفَى: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللّهُمّ صلّ عليهم» فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللَّهُمّ صلّ على آل أبِي أَوْفَى» ".

السابقالتالي
2 3 4