الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }

قوله تعالى: { وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ } أي صدِّقوا يعني بالقرآن. { مُصَدِّقاً } حال من الضمير في «أنزلت» التقدير بما أنزلته مصدقاً والعامل فيه أنزلت. ويجوز أن يكون حالاً من ما، والعامل فيه آمنوا التقدير آمنوا بالقرآن مصدقاً. ويجوز أن تكون مصدرية التقدير آمنوا بإنزال. { لِّمَا مَعَكُمْ } يعني من التوراة. قوله تعالى: { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } الضمير في «به» قيل هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، قاله أبو العالية: وقال ٱبن جُريج: هو عائد على القرآن، إذ تضمنه قوله: { بِمَآ أَنزَلْتُ } وقيل: على التوراة، إذ تضمنها قوله: «لِما معكم». فإن قيل: كيف قال «كافر» ولم يقل كافرين قيل: التقدير ولا تكونوا أوّل فريق كافر به. وزعم الأخفش والفرّاء أنه محمول على معنى الفعل لأن المعنى أوّل من كفر به. وحكى سيبويه: هو أظرف الفتيان وأجمله وكان ظاهر الكلام هو أظرف فتًى وأجمله. وقال: «أوّلَ كافرٍ به» وقد كان قد كفر قبلهم كفار قريش، فإنما معناه من أهل الكتاب إذ هم منظور إليهم في مثل هذا لأنهم حجة مظنون بهم عِلم. و «أوّل» عند سيبويه نصب على خبر كان. وهو مما لم ينطق منه بفعل وهو على أفعل، عينه وفاؤه واو. وإنما لم ينطق منه بفعل لئلا يعتلّ من جهتين: العين والفاء وهذا مذهب البصريين. وقال الكوفيون: هو مِن وَأَلَ إذا نجا فأصله أَوأَل، ثم خُفِّفت الهمزة وأبدلت واواً وأدغمت فقيل أوّل، كما تخفف همزة خطيئة. قال الجوهري: «والجمع الأوائل والأوالي أيضاً على القلب. وقال قوم: أصله وَوَّل على فَوْعَل فقلبت الواو الأولى همزة. وإنما لم يجمع على أواوِل لاستثقالهم ٱجتماع الواوين بينهما ألف الجمع». وقيل: هو أفعل من آل يؤول، فأصله أَأْوَل قلب فجاء أعفل مقلوباً من أفعل، فسُهّل وأُبدل وأُدغم. مسألة: لا حُجَّةَ في هذه الآية لمن يمنع القول بدليل الخطاب، وهم الكوفيون ومن وافقهم لأن المقصود من الكلام النهي عن الكفر أولاً وآخراً وخصّ الأوّل بالذكر لأن التقدّم فيه أغلظ، فكان حكم المذكور والمسكوت عنه واحداً وهذا واضح. قوله تعالى: { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً } فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَلاَ تَشْتَرُواْ } معطوف على قوله: { وَلاَ تَكُونُوۤاْ }. نهاهم عن أن يكونوا أوّل من كفر وألا يأخذوا على آيات الله ثمناً أي على تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم رُشًى. وكان الأحبار يفعلون ذلك فنُهوا عنه قاله قوم من أهل التأويل، منهم الحسن وغيره. وقيل: كانت لهم مآكل يأكلونها على العلم كالراتب فنهُوا عن ذلك. وقيل: إن الأحبار كانوا يعلّمون دينهم بالأجرة فنُهوا عن ذلك. وفي كتبهم: يابنَ ٱدمَ عَلّم مَجّاناً كما عُلّمت مَجّاناً أي باطلاً بغير أجرة قاله أبو العالية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6