الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَٰسِرُونَ }

فيه سبع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ } «الَّذين» في موضع نصب على النّعت للفاسقين، وإن شئت جعلته في موضع رفع على أنه خبر ٱبتداء محذوف أي هم الذين. وقد تقدّم. الثانية: قوله تعالى: { يَنقُضُونَ } النَّقض: إفساد ما أبرمته من بناء أو حبل أو عهد. والنُّقاضة. ما نُقض من حبل الشَّعر. والمُناقضة في القول: أن تتكلم بما تناقض معناه. والنَّقِيضة في الشِّعر: ما يُنْقَض به. والنِّقْض: المنقوض. واختلف الناس في تعيين هذا العهد فقيل: هو الذي أخذه الله على بني آدم حين ٱستخرجهم من ظهره. وقيل: هو وصية الله تعالى إلى خلقه، وأمْرُه إيّاهم بما أمرهم به من طاعته، ونَهْيُه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسنة رسله ونقضهم ذلك ترك العمل به. وقيل: بل نَصْب الأدلة على وحدانيّته بالسموات والأرض وسائر الصنعة هو بمنزلة العهد ونقضهم ترك النظر في ذلك. وقيل: هو ما عهده إلى من أوتي الكتاب أن يبينوا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يكتموا أمره. فالآية على هذا في أهل الكتاب. قال أبو إسحاق الزجاج: عهده جل وعز ما أخذه على النبّيين ومن ٱتبعهم ألا يكفروا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم. ودليل ذلك: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } إلى قوله تعالى:وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } [آل عمران: 81] أي عهدي. قلت: وظاهر ما قبلُ وما بعدُ يدّل على أنها في الكفار. فهذه خمسة أقوال والقول الثاني يجمعها. الثالثة: قوله تعالى: { مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ } الميثاق: العهد المؤكّد باليمين مِفعال من الوثاقة والمعاهدة، وهي الشدّة في العقد والربط ونحوه. والجمع المواثيق على الأصل لأن أصل مِيثاق مِوْثاق، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها ـ والمياثق والمياثيق أيضاً وأنشد ٱبن الأعرابي:
حِمىً لا يُحَلّ الدهرَ إلا بإذننا   ولا نسأل الأقوامَ عَهْدَ المياثِقِ
والمَوْثق: المِيثاق. والمواثقة: المعاهدة ومنه قوله تعالى: { وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ }. الرابعة: قوله تعالى: { وَيَقْطَعُونَ } القطع معروف، والمصدر ـ في الرَّحِم ـ القطيعة يقال: قَطَع رَحِمه قَطِيعة فهو رجل قُطَعٌ وقُطَعَة مثال هُمَزة. وقَطَعت الحبل قطعاً. وقَطَعت النهر قُطُوعا. وَقَطَعتِ الطيرُ قُطوعاً وقُطَاعاً وقِطَاعاً إذا خرجت من بلد إلى بلد. وأصاب الناسَ قُطْعَةٌ: إذا قَلّت مياههم. ورجل به قُطْعٌ: أي ٱنبهار. الخامسة: قوله تعالى: { مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } «ما» في موضع نصب بـ «ـيَقْطَعُون». و «أَنْ» إن شئت كانت بدلاً من «ما» وإن شئت من الهاء في «به» وهو أحسن. ويجوز أن يكون لئلا يوصل أي كراهة أن يوصل. وٱختلف ما الشيء الذي أَمَر بوصله؟ فقيل: صلة الأرحام. وقيل: أمر أن يوصل القول بالعمل فقطعوا بينهما بأن قالوا ولم يعملوا.

السابقالتالي
2